الأحد، 14 أبريل 2013

قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

العنوان: قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر
 
إننا لا نعتبر أن الدليل على وجود يوم القيامة هو دليل عقلي محض مستقل بذاته، بل إن الدليل على ثبوت يوم القيامة والجنة والنار والحساب والحشر والصراط هو دليل نقلي وسمعي في الأساس ولا يمكن أن يكون دليلا عقليا مستقلا عن السمع. ولذلك فالاستدلال على كل ما تعلق بما بعد الموت والحياة الآخرة يرجع إلى النصوص القطعية ولا يخضع للعقل والحس.
ولكن يمكن أن ينظر العاقل المفكر إلى وجود قرائن عقلية على الحاجة واللزوم لوجود يوم للقيامة واللحساب والجزاء، وأذكر منها ما يلي:

تحقيق العدالة:

لا يجد العقل مناصا من الإقرار بشكل ما بالحاجة إلى وجود المحاسبة للطائع والعاصي في هذه الدنيا، ولا مانع بأن يحصل ذلك في يوم آخر حيث ان العقل يؤمن بأن تحقيق العدالة يقتضي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وما دام هذا الأمر لا يحصل في الحياة الدنيا فلا مانع من حصوله في حياة ثانية أخرى، وإذا ربط هذا الأمر مع وجود صفات الكمال لله عز وجل وخصوصا صفة العدل فتصبح المسألة ليست فقط عدم منع، بل تصبح أمرا لا بد منه.

دورة الحياة والإعادة:

لقد اهتم القرآن الكريم بهذه القضية ايما اهتمام، لأن المشركين من العرب كذبوا أكثر ما كذبوا ليس بوجود الله بل بيوم القيامة، ولذلك تجد القرآن الكريم يسرد عشرات المرات وبأمثلة كثيرة من حياة البشر وبيئتهم لتقريب الصورة وللتمثيل، حتى تستطيع عقول الكفار أن تستوعب المسألة، فضرب أمثلة كثيرة منها مثال النبات، حيث تكون الأرض هامدة فيرسل الله عليها المطر فتنبت الزرع والنبات، وعندها ترى الأرض مخضرة تعج بالحياة ثم يهيج هذا الزرع ويصبح مصفرا ثم يتحول إلى الحطام والموت، ولكن يبقى منه شيء وهو البذور. ولكن هذه البذور تبقى خامدة جامدة حتى ينزل المطر مرة أخرى بأمر الله، فتحيا من جديد، فتكون دورة حياة ثانية بإعادة الحياة مرة أخرى لهذا النبات والزرع.

 كل هذه الصور والأمثلة الرائعة هي لكي يقوم الكفار المشركين باستخدام عقولهم من خلال عملية قياس عقلية، حيث أنهم يشاهدون دورة الحياة والإعادة للنبات كل سنة في حياتهم، وقد شبه الله تعالى حياة الإنسان بحياة النبات ولذلك فعودة الإنسان للحياة مرة أخرى في يوم القيامة ليس أمرا مستحيلا بل إنه جائز، ولكن الله جعل هذه الإعادة في اليوم الآخر

 وقد ذكر النبي عليه الصلاة السلام في الحديث بما معناه أن الإنسان يفنى ولكن يبقى منه عجم الذنب وهو عظمة في مؤخرة العمود الفقري وينبت الإنسان منه يوم القيامة.

الريادة التكرار:

الأمر الذي فيه ريادة وابتكار وابداع في عرف البشر هو أصعب من عملية تكراره من خلال نسخه وإعادة صنعه مرة أخرى، ولذلك فالإعادة أسهل وفق مقاييس العقل من الابتكار والابداع والريادة أول مرة، لأن المرة الأولى تحتاج إلى جهد فكري وعملي عظيم لكي تكون متقنة، أما بعد التجربة الأولى للاشياء، فإن صنعها يكون أسهل وأهون، لأن الأمر حينها لا يحتاج للابداع والابتكار مرة أخرى بل هو مجرد تكرار.

 ولذلك ذكر الله تعالى للكفار بأن الله هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ولكنه استدرك بقوله "ولله المثل الأعلى" لأن الابداع والابتكار لا يقاس عليه الخالق بل هو مثل لتقريب الصورة فقط، فمن آمن بقدرة الله على الخلق أول مرة كان عليه أن يؤمن يقدرة الله على الإعادة لأنها أهون واسهل من ناحية الواقع والعقل يؤيد ذلك.

 وكذلك عندما تحدى أحد المشركين رسول الله عليه الصلاة والسلام في مسألة إعادة الحياة للعظام التالفة وهي رميم أجابه القرآن في سورة يس بقوله: (قل يحيها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، فقد رد القرآن عليه بأن العقل يقر بأن من أنشأ الشيء في المرة الأولى يمكنه أن يعيد إنشاءه مرة أخرى ولا عجب في ذلك. وهذا يؤكد الفرق بين الريادة والتكرار.
وهناك الكثير من الأمثلة العقلية التي ضربها القرآن للدلالة على وجود يوم القيامة ويوم للبعث والنشور، ومنها الآيات التي تتحدث عن مراحل تطور الأجنة في بطون أمهاتهم ودلالتها أن البعث لا ريب فيه وغيرها.

ولكن علينا ملاحظة أن هذه الأدلة ليست أدلة عقلية لإثبات يوم القيامة، وإنما كانت قرائن للمشركين ولغيرهم بأن الحياة الأخرى والبعث والنشور والحساب والجزاء ليس أمرا مستحيلا بل هو أمر جائز، وخصوصا لمن آمن بأن الله هو الخالق فلا عجب بأن يؤمن بأن الله قادر على إعادة الخلق والحياة مرة أخرى

فهذه الأدلة هي أدلة تنفي إدعاء المشركين باستحالة وقوع حياة أخرى ويوم آخر، وتثبت في المقابل جواز ذلك من ناحية العقل السليم. وهناك أدلة ترجح جانب حدوث اليوم الآخر على جانب الفناء السرمدي، وهي أدلة عقلية مثل تحقيق العدالة لأنه عدم تحققها هو صفة نقص في الخالق وهذا محال، ولذلك وبما أن الله كامل بصفاته وجب وجود يوم آخر لتحقيق العدالة.

وعليه فإن كلامنا في الأدلة على وجود اليوم الآخر ليست هي أدلة عقلية تثبت بذاتها ويدركها العقل، من مثل استدلالنا على وجود الله وإعجاز القرآن، ولكنها قرائن عقلية تعين في فهم وإدراك معنى اليوم الآخر الذي هو من علم الغيب عند الله، وكذلك هي أدلة تجعل العاقل يرجح الحاجة (نظريا) إلى وجود اليوم الآخر لتتم المحاسبة والعدالة.

فالايمان باليوم الآخر دليله نقلي ويؤيده العقل ولا يمنع من وقوعه. وهذا هو بالضبط الإطار الذي نتكلم فيه عن هذا الموضوع
الفطرة:

بالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه قرائن عقلية على ضرورة وجود يوم آخر بعد الموت تقام فيه موازين الحق والعدل وأن هذا الأمر يتناسب مع الفطرة، ويتوافق مع العقل ، وإني أود أن اضيف أمرا آخر يرشد إلى اليوم الآخر الا وهو حب الخلود وهو جزء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

حب البقاء وكراهية الموت:

خلق الله سبحانه الإنسان وأودع فيه طاقة الحياة ليتحرك ويقوم بأعمال (سلوك) ليشبع هذه الطاقة، وهذه الطاقة الحيوية تتمثل في الحاجات العضوية والغرائز، أما الحاجات العضوية فهي خمس الأكل والشرب والنوم والإخراج والتنفس. وأما الغرائز فثلاث هي حب البقاء والنوع والتدين.

ومعنى غريزة أنها مغروزة في طبائع الإنسان وهي جزء من جبلته وخلقه، ولا يستطيع أحد محو هذه الغريزة أو استئصالها أو كبتها وإنما يكون ذلك لبعض مظاهر هذه الغريزة.

وغريزة حب البقاء لها مجموعة من المظاهر تظهر من خلالها مثل الدفاع عن النفس وحب التملك وتجنب الأخطار وحب الاستطلاع والأثرة (الأنانية) وحب السيادة وغيرها، وكل هذه المظاهر تصب في غريزة حب البقاء، وهي موجودة في الإنسان وباقي المخلوقات الحية، ويقوم الإنسان بأعمال سلوكية معينة لإشباع هذه الغريزة كلها تصب في صالح بقائه كفرد وكإنسان
ودافع غريزة حب البقاء هو سعي الإنسان للبقاء والخلود الفردي والذاتي والتهرب من الموت وكراهيته، وهذه أهم وأقوى غريزة في الإنسان وهي اصلية فيه. ولكن لما كان الله سبحانه قد قهر عباده بالموت، وجعل الموت نهاية كل حي، والموت سنة ربانية لا بد منها فلكل كائن حي نهاية وموت لا فرار منه،

ولكن لما كان هذا الموت وهذه النهاية تصادم غريزة الإنسان التي أودعه الله فيها من حب البقاء وكراهية الموت، فإن هذه الفطرة تدفع الإنسان للبحث عن من يكملها له أي تبحث عمن يسد هذا العجز والنقص والخلل في الحياة،

وعند البحث يتوجه الإنسان إلى الذات الكاملة الأزلية التي لا تموت سعيا لسد نقصه فيستعين بها على التغلب على عجزه، وهذا يستلزم عبادة الله سبحانه الخالق الأزلي (إياك نعبد وإياك نستعين) وذلك لنيل رضوانه وليجبر عجزه وموته بالحياة الخالدة، فيندفع الإنسان لعبادة خالقة الإزلي سعيا وراء الخلود لأنه أدرك أنه ميت وأن حياته قصيرة ولا بد من هذا اليقين المتمثل بالموت في يوم من الأيام طال الزمان أم قصر.

ولما جاء دين الله بالايمان باليوم الآخر وأن الخلود لن يكون في الدنيا بل سيكون في الآخرة، فإن هذا الايمان قد طمأنه وأراح فطرته المتمثلة في غريزة حب البقاء، ذلك أنه سيحقق شعوره هذا بضرورة الخلود في اليوم الآخر، ولكن هذا الخلود الذي يسعى إليه سلاح ذو حدين، فإما خلود في نعيم مقيم أو خلود في جهنم وبئس المصير.

ولذلك فإن سعي الإنسان للخلود في الدار الآخرة التي لا موت فيها يجب أن يرتبط بإحسان عمله في الدنيا كي يرضى الله عنه ويدخله جنة عدن ودار الخلد والسلام والمستقر وأن يزحزحه عن النار دار الخلد في العذاب المقيم والعياذ بالله.

وبالتالي فإن الشعور بالخلود شعور أصيل في فطرة الإنسان وهو من أهم غرائزه التي فطره الله وجبله عليها، ولذلك فهو يكره الموت ولا يطمئن قلبه مع قناعته العقلية بأن الموت هو النهاية، بل يبقى شعور النزوع إلى الخلود يتملكه حتى يغرغر.

وهذا الشعور أو النزعة للخلود المفطورة في الإنسان ينسجم بل يتناسق ويتناغم معها فكرة الايمان بالحياة الخالدة في الآخرة ولذلك كان الايمان باليوم الآخر مما يتوافق مع الفطرة، بل مما لا ترضى الفطرة إلا بوجوده في مكان ما وفي زمان ما.
وكان حل العقدة الكبرى (من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟) لا يؤدي إلى الطمأنينة في قلب الإنسان إلا بالإجابة الصحيحة التي توافق فطرته بأن هناك يوم آخر فيه الخلود.

وهذا الأمر يؤكد المقولة بأن عقيدة الإسلام توافق الفطرة وتقنع العقل.

قال تعالى في سورة البينة (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه )

نسالك اللهم رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في هذه الدنيا، في يوم العرض عليك وخفف عنا في يوم الحساب وأدخلنا الجنة برحمتك يا الله، وأرض عنا يا الله.

والحمد لله رب العالمين.
رابط : http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=6855&pid=33026&st=0&#entry33026

هناك تعليق واحد:

شكرا لك على التعليق