الأربعاء، 24 أبريل 2013

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن (2)

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أفضل الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد،

لاحقا لما ذكرناه سابقا حول مسألة القيمة والثمن، والفرق بين القيمة عند المسلمين وعند الرأسماليين ومدى تأثير الندرة من عدمه... لماذا القيمة ثابتة والثمن متغير؟

وكون البحث صار إلى تحديد معنى القيمة، فقد وردني من أحد الإخوة فيما يتعلق بهذا الموضوع التالي:

1.        القيمة هي اساس الثروة والثروة هي اساس الاقتصاد (سواء علم الاقتصاد او نظامه) لذلك فهذا من اهم ابحاث الاقتصاد واخذت ما اخذت من جدال بين الاقتصاديين

2.       عليه وجب ان تكون القيمة مضبوطة وان تكون ثابتة ليصلح البناء عليها اقتصاديا

3.       القيمة شيء متعلق بالشيء ذاته وهي غير نسبية كما هو عند الرأسماليين..

4.       يأتي اللبس عند بعضنا لادخالنا (مع ملاحظة عامل الندرة) ... فاعتبار الندرة من مقومات تقدير القيمة يجعلها نسبية تتغير بتغير العرض والطلب. وهذا فهم غير دقيق. فعامل الندرة يلحظ ولا يدخل في تقدير القيمة وهنا مربط الفرس.

5.       مثال: قيمة الماء: مقدار ما فيه من منافع ولنقل منفعة 1 و2 و3و4 وهذا لا يتغير سواء كان الماء نادرا او غير نادر.. ملاحظة عامل الندرة تأتي في علاقة الانسان بهذه السلعة في حين ندرتها ووفرتها.  فمنافع الماء هي هي في الحالتين، ولكن حرص الناس عليها في حال ندرتها اكثر.. ولكنه لا يزيد في المنفعة او يقلل منها...

كيف نقول ان ملاحظة عامل الندرة لا يجعل من القيمة نسبية؟؟

الجواب بسيط: النسبية تعني تغير القيمة من شخص لشخص ومن وقت لاخر.. ولكن لو كان الماء شحيحا عند البوذي، فهل يحرص عليه اكثر من حرص المسلم او أكثر من حرص الرأسمالي؟؟ الجواب: لا. وهذا يعني ان ندرة السلعة تجعلها أهم عند الجميع على حد سواء.. فهي ليست نسبية.. وتكون نسبية إذا ما كانت ندرة الماء لا تجعلها اهم عند فلان وتجعلها اهم عند آخر في نفس الظروف، كما هو الحال في فهم القيمة عند الرأسماليين. ا. هـ.


وأود أن أضيف إلى أن تعريفنا للقيمة بأنها: "مقدار ما في الشيء من منفعة مع ملاحظة عامل الندرة"،
 
إلى أن المنفعة يدخل فيها عاملان هما:

الأول: المزايا التي في الشيء والتي تجعله نافعا ومناسبا للإشباع

والثاني: الرغبة في الشيء

أما العامل الثالث في تحديد القيمة فهو:   عامل الندرة
أما المزايا فهي لا تختلف من إنسان لآخر بل هي ثابتة في نفس الشيء ، ,أما الرغبة فإنها تختلف وفق ميزان الحسن والقبح أو الخير والشر أو الحلال والحرام
فالمسلم مثلا لا يرغب في الخمر والحشيش والخنزير لكونها حراما، وبالتالي فلا قيمة لها عنده، بعكس الكافر بالرغم مما قد يبدو للكافر من مزايا فيها.

من جهة أخرى نلاحظ أيضا أن قيمة الهواء الذي نتنفسه تساوي الصفر تقريبا بالرغم من مزاياه ورغبة الناس العالية جدا فيه، والسبب الذي يفسر لنا قلة قيمته، يعود إلى إدخالنا عامل الندرة في التعريف حيث أن توفرهذا الشيء (الهواء) لكل إنسان وتجاوز ذلك حد الوفرة بأضعاف أضعاف حاجتنا منه، بشكل لا يجعل الصراع عليه موجودا أو ممكنا مما يؤثر في قيمته مما يجعله تافها.

ولنأخذ مثلا آخر لأهمية عامل الندرة في القيمة عند لحظات معينة، حيث نقرأ ونسمع عن قصة العالم المسلم الذي حضر عند هارون الرشيد وسأله الخليفة أن يعظه، فقال له العالم -بما معناه- ماذا تدفع يا أمير المؤمنين إذا حبس عنك كوب الماء هذا؟ فرد الخليفة نصف ما أملك!! فقال له العالم: وماذا تدفع إذا حبس هذا الماء في جسمك ولم تستطع إخراجه؟ فرد هارون الرشيد: أدفع النصف الآخر!
فقال العالم للخليفة: عجبا لملك أو ما قيمة ملك لا يساوي كوب ماء تشربه أو يحبس في جوفك!!!


وهذا المثال يدل على أن قيمة الشيء (كوب الماء) يساوي نصف ملك هارون الرشيد في حالة فقدانه، مما يدل على أهمية عامل الندرة في تحديد قيمة الأشياء إذا كان الشيء غير متوفر أي تحت حد الندرة بكثير.


أرجو أن يكون الموضوع قد اتضح بالنسبة لتعريفنا للقيمة ومعنى ملاحظة عامل الندرة وتحديد حدي الندرة والوفرة وعلاقتهما بالقيمة
والحمد لله الذي هدانا للحق والطريق المستقيم


وعليه التكلان وبه نستعين
الرابط:
 

الخميس، 18 أبريل 2013

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،


عرف الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى في كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام القيمة بأنها:


"مقدار ما في الشيء من منفعة مع ملاحظة عامل الندرة".

ومن التعريف نجد أن هناك عاملان يدخلان في تحديد قيمة الشيء هما : مقدار المنفعة والندرة.

أما عامل المنفعة فهو ثابت في ذات الشيء حيث أنه يشبع بمقدار معين وهي -أي المنفعة- ثابتة بالمقارنة مع غيره من الأشياء.

أما عامل الندرة فهو متغير، وهو لا علاقة له بالأشياء ذاتها بل بأشياء خارجة عن ذات الشيء وهي مرتبطة أكثر بمحددات الندرة والوفرة.

ولتحديد تأثير محددات الندرة والوفرة وتأثيرها في القيمة، فإن هذا العامل -أي الندرة- لا يؤثر في القيمة إلا عند حدود معينة أي أن هذا العامل قيمته تساري صفرا في تحديد القيمة عندما تكون الأشياء المعروضة وفيرة. ويكون هذا العامل مؤثرا عند محددين:

المحدد الأول: هو محدد الندرة بمعنى أن المعروض والمتوفر من هذا المال أو الجهد (السلعة أو الخدمة) قليل إلى حد يجعل التنافس والصراع عليها بين المنتفعين يأخذ طابعا عنيفا.
المحدد الثاني: هو محدد الوفرة الكثيرة للمعروض والمتوفر من هذه السلعة أو الخدمة إلى حد يجعل التنافس والصراع عليها معدوما.

وهذا التفسير يحل إشكالية قيمة الماء بالنسبة للألماس أو كما يقول الأجانب: (Water Diamond Paradox)
حيث أن الماء له منفعة عظيمة بالنسبة لحياة الإنسان ولكن ما الذي يجعل قيمته هذه ضئيلة بالنسبة للألماس الذي تكون منفعته للإنسان قليلة وقيمته عالية جدا؟

وبالتالي فإن تفسير هذا الأمر يكون بالاعتماد على محددات الندرة والوفرة، حيث وفرة الماء في الأرض ونزول المطر يجعل لهذا الماء قيمة أقل بسبب الوفرة العظيمة فوق حد الوفرة (أي أنه يلبي حاجات الإنسان بأضعاف ما يحتاجه)، حيث أن الماء يصل إلى كل شخص منتفع وإلى كل بيت دون تعب. أما الألماس فمنفعته بالنسبة للإنسان قليلة ولكن قيمته وثمنه مرتفع، وهذا يعود إلى تأثير عامل الندرة (محددات الوفرة والندرة) حيث أنه غير متوفر إلا في مناجم يحتاج استخراجه منها إلى جهد عال.

والخلاصة أن قيمة الشيء تعود إلى عامل واحد وهو مقدار ما فيه من منفعة بشرط أن يكون عامل الندرة محيدا أي أن تأثيره يساوي صفرا، بمعنى أن توفر السلعة أو الخدمة في السوق يقع بين محددات الوفرة والندرة، أي أن السلعة أو الخدمة لا تزيد عن حد وفرة معين ولا تنقص عن حد ندرة معين أي يقعان بينهما، وإذا تجاوت كمية السلعة أو الخدمة هذه الحدود (أعلى من حد الوفرة أو أدنى من حد الندرة) يبدأ تأثير عامل الندرة والوفرة ويصبح لهذا العامل أثرا في زيادة القيمة ونقصانها.


ملاحظة هامة:

يجدر بالملاحظة أن حزب التحرير ذكر في تعريف القيمة جملة هامة وهي (مع ملاحظة عامل الندرة).

وهذه الجملة لم تصغ عبثا بهذا الشكل في التعريف، وإنما هي مقصودة فذكر كلمة "مع ملاحظة" ولم يذكر غيرها مثل حسب قانون العرض والطلب مثلا.

فإدخال قانون العرض والطلب هنا غير دقيق وليس هو المقصود، لأن قانون العرض والطلب يؤثر في الثمن وليس في القيمة، وهذا أمر جد هام لا بد من ملاحظته.

والمدقق في الكلام المذكور أعلاه يلاحظ الفرق، حيث أنني ذكرت أن هذا العامل -أي عامل الندرة- لا يلاحظ عند وجود الوفرة وليس له أثر في القيمة، ولكن هناك حدود معينة يؤثر فيها عامل الندرة وهناك حدود لا يؤثر فيها ألا وهي محددات الوفرة والندرة، وهذا ما أفهمه من التعريف من معنى لـــ"مع ملاحظة عامل الندرة"

وما ذكرته من محددات الندرة والوفرة هي التي لها تأثير في القيمة، وليس قانون العرض والطلب.

فأرجو أن تلاحظ الفرق الدقيق بين الأمرين

والله الموفق وعليه التكلان

والحمد لله رب العالمين

رابط: http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=6997&pid=33391&st=0&#entry33391
 

الأحد، 14 أبريل 2013

قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر ( 2 )


العنوان: قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر ( 2 )

السلام عليكم
أود أن أذكر لحضراتكم بعض اقوال المفسرين لقوله تعالى في سورة الشورى: { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ {18}
ومنه تتضح الصورة لبعض لإخوة الذين بنظرون للأمور من زاوية واحدة فقط أو لمن يأخذون بنظرية العامل الواحد أو أن الحق لا يكون إلا في رأي واحد، فأحببت أن انقل لكم بعض تفاسير لهذه الآية توضح ما ذهبنا إليه.
مفاتيح الغيب للرازي
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والبينات، وأنزل الميزان وهو الفصل الذي هو القسطاس المستقيم، وأنهم لا يعلمون أن القيامة متى تفاجئهم ومتى كان الأمر كذلك، وجب على العاقل أن يجد ويجتهد في النظر والاستدلال، ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد، ولما كان الرسول يهددهم بنزول القيامة وأكثر في ذلك، وأنهم ما رأوا منه أثراً قالوا على سبيل السخرية: فمتى تقوم القيامة، وليتها قامت حتى يظهر لنا أن الحق ما نحن عليه أو الذي عليه محمد وأصحابه، فلدفع هذه الشبهة قال تعالى: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } والمعنى ظهر، وإنما يشفقون ويخافون لعلمهم أن عندها تمتنع التوبة، وأما منكر البعث فلأن لا يحصل له هذا الخوف.
ثم قال: { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } والممارة الملاجة، قال الزجاج: الذين تدخلهم المرية والشك في وقوع الساعة، فيمارون فيها ويجحدون { لَفِي ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } لأن استيفاء حق المظلوم من الظالم واجب في العدل، فلو لم تحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله تعالى، وهذا من أمحل المحالات، فلا جرم كان إنكار القيامة ضلالاً بعيداً.
فتح القدير الشوكاني
{ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ } أي: يخاصمون فيها مخاصمة شك، وريبة، من المماراة، وهي: المخاصمة، والمجادلة، أو من المرية، وهي: الشك، والريبة { لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ } عن الحق؛ لأنهم لم يتفكروا في الموجبات للإيمان بها من الدلائل التي هي: مشاهدة لهم منصوبة لأعينهم مفهومة لعقولهم، ولو تفكروا لعلموا أن الذين خلقهم ابتداء قادر على الإعادة.
روح المعاني للالوسي
فالمعنى إن الذين يترددون في أمر الساعة ويشكون فيه { لَفِي ضَلَـٰل بَعِيدٍ } عن الحق فإن البعث أقرب الغائبات بالمحسوسات لأنه يعلم من تجويزه من إحياء الأرض بعد موتها وغير ذلك، فمن لم يهتد إليه فهو عن الاهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد.
خواطر الشعراوي
لذلك وصف الذين يجادلون فيها مجرد جدال بأنهم في ضلال بعيد { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } [الشورى: 18] والمراء: هو الجدل العقيم الذي لا يوصل إلى الحقيقة.
ووصفهم بأنهم في ضلال بعيد، لأن مجرد النظر العقلي يثبت يوم القيامة وضرورته بالنسبة للحياة الدنيا، فلو تأملوا واقع حياتهم لوجدوا أنهم في أمور دنياهم يأخذون بمبدأ الثواب والعقاب، فلا بدَّ لتستقيم الأمور من مجازاة المحسن بإحسانه، ومعاقبة المسيء على إساءته.
في واقع حياتهم تعليم وتلاميذ في المدارس يُجرون لهم اختبارات شهرية يُصوَّب فيها الخطأ بالأحمر ليعرف التلميذ خطأه ويُصححه، أما في امتحان آخر العام فلا تُصوَّب الأخطاء، إنما تُعطى عليها درجة يترتب عليها نجاح أو رسوب، هذا هو الحساب والجزاء.
فإذا كنتم تفعلون ذلك في أمور دنياكم، فلِمَ تكذبون به مع الله عز وجل، وفي البشر في رحلة الحياة المؤمن والكافر والطائع والعاصي والمجرم والمحسن، كيف إذن يتساوى كُلُّ هؤلاء؟
الرجل الذي قال: لن يموت ظَلُومٌ حتى ينتقم الله منه، لأن العقل يقول ذلك ولا يصح أنْ يفلت بجرائمه دون عقاب، فلما رأى ظالماً مات سالماً لم يُصِبْه شيء قال ماذا؟ قال: لا بدّ أن وراء هذه الدنيا حياةً أخرى يُعاقب الظالم على ظلمه، لا بدَّ وإلا فقد فاز المجرمون الظالمون وأفلتوا بجرائمهم، وضاع حَقُّ المظلومين والضعاف في الدنيا وفي الآخرة.
وبعد،
فهل كلام العلماء والمفسرين لآيات الله واستدلالهم بالأدلة العقلية على أن المشككين بالآخرة في ضلال ضلال بعيد، في هذا المقام غير معتبر؟
الحقيقة أن الأدلة العقلية والنقلية تتعاضد ولا يجافي ولا يناقض بعضها بعضا، بل جميعها تصب في نفس الاتجاه،
وبذلك فعلينا أن نوسع الافق في التفكير والبحث وطرائق الاستدلال، خصوصا إذا كانت هذه طريقة القرآن في التدليل، وبالتالي فليس هناك فصل تام بين العقلي والنقلي إما هذا أو هذا بل قد يكون كليهما وهما يتكاملان ولا ينفصلان
والحمد لله رب العالمين
 

قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

العنوان: قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر
 
إننا لا نعتبر أن الدليل على وجود يوم القيامة هو دليل عقلي محض مستقل بذاته، بل إن الدليل على ثبوت يوم القيامة والجنة والنار والحساب والحشر والصراط هو دليل نقلي وسمعي في الأساس ولا يمكن أن يكون دليلا عقليا مستقلا عن السمع. ولذلك فالاستدلال على كل ما تعلق بما بعد الموت والحياة الآخرة يرجع إلى النصوص القطعية ولا يخضع للعقل والحس.
ولكن يمكن أن ينظر العاقل المفكر إلى وجود قرائن عقلية على الحاجة واللزوم لوجود يوم للقيامة واللحساب والجزاء، وأذكر منها ما يلي:

تحقيق العدالة:

لا يجد العقل مناصا من الإقرار بشكل ما بالحاجة إلى وجود المحاسبة للطائع والعاصي في هذه الدنيا، ولا مانع بأن يحصل ذلك في يوم آخر حيث ان العقل يؤمن بأن تحقيق العدالة يقتضي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وما دام هذا الأمر لا يحصل في الحياة الدنيا فلا مانع من حصوله في حياة ثانية أخرى، وإذا ربط هذا الأمر مع وجود صفات الكمال لله عز وجل وخصوصا صفة العدل فتصبح المسألة ليست فقط عدم منع، بل تصبح أمرا لا بد منه.

دورة الحياة والإعادة:

لقد اهتم القرآن الكريم بهذه القضية ايما اهتمام، لأن المشركين من العرب كذبوا أكثر ما كذبوا ليس بوجود الله بل بيوم القيامة، ولذلك تجد القرآن الكريم يسرد عشرات المرات وبأمثلة كثيرة من حياة البشر وبيئتهم لتقريب الصورة وللتمثيل، حتى تستطيع عقول الكفار أن تستوعب المسألة، فضرب أمثلة كثيرة منها مثال النبات، حيث تكون الأرض هامدة فيرسل الله عليها المطر فتنبت الزرع والنبات، وعندها ترى الأرض مخضرة تعج بالحياة ثم يهيج هذا الزرع ويصبح مصفرا ثم يتحول إلى الحطام والموت، ولكن يبقى منه شيء وهو البذور. ولكن هذه البذور تبقى خامدة جامدة حتى ينزل المطر مرة أخرى بأمر الله، فتحيا من جديد، فتكون دورة حياة ثانية بإعادة الحياة مرة أخرى لهذا النبات والزرع.

 كل هذه الصور والأمثلة الرائعة هي لكي يقوم الكفار المشركين باستخدام عقولهم من خلال عملية قياس عقلية، حيث أنهم يشاهدون دورة الحياة والإعادة للنبات كل سنة في حياتهم، وقد شبه الله تعالى حياة الإنسان بحياة النبات ولذلك فعودة الإنسان للحياة مرة أخرى في يوم القيامة ليس أمرا مستحيلا بل إنه جائز، ولكن الله جعل هذه الإعادة في اليوم الآخر

 وقد ذكر النبي عليه الصلاة السلام في الحديث بما معناه أن الإنسان يفنى ولكن يبقى منه عجم الذنب وهو عظمة في مؤخرة العمود الفقري وينبت الإنسان منه يوم القيامة.

الريادة التكرار:

الأمر الذي فيه ريادة وابتكار وابداع في عرف البشر هو أصعب من عملية تكراره من خلال نسخه وإعادة صنعه مرة أخرى، ولذلك فالإعادة أسهل وفق مقاييس العقل من الابتكار والابداع والريادة أول مرة، لأن المرة الأولى تحتاج إلى جهد فكري وعملي عظيم لكي تكون متقنة، أما بعد التجربة الأولى للاشياء، فإن صنعها يكون أسهل وأهون، لأن الأمر حينها لا يحتاج للابداع والابتكار مرة أخرى بل هو مجرد تكرار.

 ولذلك ذكر الله تعالى للكفار بأن الله هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ولكنه استدرك بقوله "ولله المثل الأعلى" لأن الابداع والابتكار لا يقاس عليه الخالق بل هو مثل لتقريب الصورة فقط، فمن آمن بقدرة الله على الخلق أول مرة كان عليه أن يؤمن يقدرة الله على الإعادة لأنها أهون واسهل من ناحية الواقع والعقل يؤيد ذلك.

 وكذلك عندما تحدى أحد المشركين رسول الله عليه الصلاة والسلام في مسألة إعادة الحياة للعظام التالفة وهي رميم أجابه القرآن في سورة يس بقوله: (قل يحيها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، فقد رد القرآن عليه بأن العقل يقر بأن من أنشأ الشيء في المرة الأولى يمكنه أن يعيد إنشاءه مرة أخرى ولا عجب في ذلك. وهذا يؤكد الفرق بين الريادة والتكرار.
وهناك الكثير من الأمثلة العقلية التي ضربها القرآن للدلالة على وجود يوم القيامة ويوم للبعث والنشور، ومنها الآيات التي تتحدث عن مراحل تطور الأجنة في بطون أمهاتهم ودلالتها أن البعث لا ريب فيه وغيرها.

ولكن علينا ملاحظة أن هذه الأدلة ليست أدلة عقلية لإثبات يوم القيامة، وإنما كانت قرائن للمشركين ولغيرهم بأن الحياة الأخرى والبعث والنشور والحساب والجزاء ليس أمرا مستحيلا بل هو أمر جائز، وخصوصا لمن آمن بأن الله هو الخالق فلا عجب بأن يؤمن بأن الله قادر على إعادة الخلق والحياة مرة أخرى

فهذه الأدلة هي أدلة تنفي إدعاء المشركين باستحالة وقوع حياة أخرى ويوم آخر، وتثبت في المقابل جواز ذلك من ناحية العقل السليم. وهناك أدلة ترجح جانب حدوث اليوم الآخر على جانب الفناء السرمدي، وهي أدلة عقلية مثل تحقيق العدالة لأنه عدم تحققها هو صفة نقص في الخالق وهذا محال، ولذلك وبما أن الله كامل بصفاته وجب وجود يوم آخر لتحقيق العدالة.

وعليه فإن كلامنا في الأدلة على وجود اليوم الآخر ليست هي أدلة عقلية تثبت بذاتها ويدركها العقل، من مثل استدلالنا على وجود الله وإعجاز القرآن، ولكنها قرائن عقلية تعين في فهم وإدراك معنى اليوم الآخر الذي هو من علم الغيب عند الله، وكذلك هي أدلة تجعل العاقل يرجح الحاجة (نظريا) إلى وجود اليوم الآخر لتتم المحاسبة والعدالة.

فالايمان باليوم الآخر دليله نقلي ويؤيده العقل ولا يمنع من وقوعه. وهذا هو بالضبط الإطار الذي نتكلم فيه عن هذا الموضوع
الفطرة:

بالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه قرائن عقلية على ضرورة وجود يوم آخر بعد الموت تقام فيه موازين الحق والعدل وأن هذا الأمر يتناسب مع الفطرة، ويتوافق مع العقل ، وإني أود أن اضيف أمرا آخر يرشد إلى اليوم الآخر الا وهو حب الخلود وهو جزء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

حب البقاء وكراهية الموت:

خلق الله سبحانه الإنسان وأودع فيه طاقة الحياة ليتحرك ويقوم بأعمال (سلوك) ليشبع هذه الطاقة، وهذه الطاقة الحيوية تتمثل في الحاجات العضوية والغرائز، أما الحاجات العضوية فهي خمس الأكل والشرب والنوم والإخراج والتنفس. وأما الغرائز فثلاث هي حب البقاء والنوع والتدين.

ومعنى غريزة أنها مغروزة في طبائع الإنسان وهي جزء من جبلته وخلقه، ولا يستطيع أحد محو هذه الغريزة أو استئصالها أو كبتها وإنما يكون ذلك لبعض مظاهر هذه الغريزة.

وغريزة حب البقاء لها مجموعة من المظاهر تظهر من خلالها مثل الدفاع عن النفس وحب التملك وتجنب الأخطار وحب الاستطلاع والأثرة (الأنانية) وحب السيادة وغيرها، وكل هذه المظاهر تصب في غريزة حب البقاء، وهي موجودة في الإنسان وباقي المخلوقات الحية، ويقوم الإنسان بأعمال سلوكية معينة لإشباع هذه الغريزة كلها تصب في صالح بقائه كفرد وكإنسان
ودافع غريزة حب البقاء هو سعي الإنسان للبقاء والخلود الفردي والذاتي والتهرب من الموت وكراهيته، وهذه أهم وأقوى غريزة في الإنسان وهي اصلية فيه. ولكن لما كان الله سبحانه قد قهر عباده بالموت، وجعل الموت نهاية كل حي، والموت سنة ربانية لا بد منها فلكل كائن حي نهاية وموت لا فرار منه،

ولكن لما كان هذا الموت وهذه النهاية تصادم غريزة الإنسان التي أودعه الله فيها من حب البقاء وكراهية الموت، فإن هذه الفطرة تدفع الإنسان للبحث عن من يكملها له أي تبحث عمن يسد هذا العجز والنقص والخلل في الحياة،

وعند البحث يتوجه الإنسان إلى الذات الكاملة الأزلية التي لا تموت سعيا لسد نقصه فيستعين بها على التغلب على عجزه، وهذا يستلزم عبادة الله سبحانه الخالق الأزلي (إياك نعبد وإياك نستعين) وذلك لنيل رضوانه وليجبر عجزه وموته بالحياة الخالدة، فيندفع الإنسان لعبادة خالقة الإزلي سعيا وراء الخلود لأنه أدرك أنه ميت وأن حياته قصيرة ولا بد من هذا اليقين المتمثل بالموت في يوم من الأيام طال الزمان أم قصر.

ولما جاء دين الله بالايمان باليوم الآخر وأن الخلود لن يكون في الدنيا بل سيكون في الآخرة، فإن هذا الايمان قد طمأنه وأراح فطرته المتمثلة في غريزة حب البقاء، ذلك أنه سيحقق شعوره هذا بضرورة الخلود في اليوم الآخر، ولكن هذا الخلود الذي يسعى إليه سلاح ذو حدين، فإما خلود في نعيم مقيم أو خلود في جهنم وبئس المصير.

ولذلك فإن سعي الإنسان للخلود في الدار الآخرة التي لا موت فيها يجب أن يرتبط بإحسان عمله في الدنيا كي يرضى الله عنه ويدخله جنة عدن ودار الخلد والسلام والمستقر وأن يزحزحه عن النار دار الخلد في العذاب المقيم والعياذ بالله.

وبالتالي فإن الشعور بالخلود شعور أصيل في فطرة الإنسان وهو من أهم غرائزه التي فطره الله وجبله عليها، ولذلك فهو يكره الموت ولا يطمئن قلبه مع قناعته العقلية بأن الموت هو النهاية، بل يبقى شعور النزوع إلى الخلود يتملكه حتى يغرغر.

وهذا الشعور أو النزعة للخلود المفطورة في الإنسان ينسجم بل يتناسق ويتناغم معها فكرة الايمان بالحياة الخالدة في الآخرة ولذلك كان الايمان باليوم الآخر مما يتوافق مع الفطرة، بل مما لا ترضى الفطرة إلا بوجوده في مكان ما وفي زمان ما.
وكان حل العقدة الكبرى (من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟) لا يؤدي إلى الطمأنينة في قلب الإنسان إلا بالإجابة الصحيحة التي توافق فطرته بأن هناك يوم آخر فيه الخلود.

وهذا الأمر يؤكد المقولة بأن عقيدة الإسلام توافق الفطرة وتقنع العقل.

قال تعالى في سورة البينة (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه )

نسالك اللهم رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في هذه الدنيا، في يوم العرض عليك وخفف عنا في يوم الحساب وأدخلنا الجنة برحمتك يا الله، وأرض عنا يا الله.

والحمد لله رب العالمين.
رابط : http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=6855&pid=33026&st=0&#entry33026