الاثنين، 24 سبتمبر 2012

ملخص علاقة السببية

ملخص علاقة السببية


 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد،

أيها الإخوة الكرام

فقد كتبت موضوعا حول علاقة السببية وقد جرى تبادل رأي فيه مع أحد المفكرين، وقد قمت بتلخيص هذا الموضوع الهام جدا على شكل نقاط، وهي كالتالي:

1. الأصل في أشياء الكون جميعا أنها مستقرة ومتزنة لا تتغير ذاتيا، أي هي عاجزة وقاصرة عن تغيير حالة الاستقرار التي هي فيها لوجود صفة الاحتياج أو القصور الذاتي فيها، فهي تقاوم تغيير تلك الحالة من الاستقرار ولا تتغير إلا بتأثير أسباب معينة.

2. السبب هو الشيء الذي يكتسب طاقة التغيير في زمن معين، ويستطيع بامتلاكه هذه القوة السببية أن يؤثر في غيره من الأشياء القابلة للتأثر ونقلها من حالة معينة إلى حالة جديدة مغايرة للحالة السابقة.

3. للسبب ثلاث صفات هي استطاعة التغيير والتأثير، والتعاون مع الشروط، وحتمية أو ضرورة الإنتاج للمسبّب.

4. المعيار الصحيح للتفريق بين العوامل التي تحدث النتيجة أي التفريق ما بين السبب وباقي الشروط يكون بناء على اكتساب واحد من هذه العوامل أو أكثر للطاقة المؤثرة فيتم اعتباره سببا لتلك النتيجة.

5. العلاقة السببية تثبت بين واقعتين متتابعتين إذا تبين بالتحليل العقلي أن حصول الواقعة السابقة زمنا (بدء فعالية السبب) قد حرك قانونا أو مجموعة من القوانين الطبيعية أفضت وأدت حتما ولزوما إلى حصول الواقعة التالية. فالقوانين هي الرابط بين طرفي العلاقة السببية.

6. العلة التامة هي جميع العوامل التي يتوقف عليها وجود الفعالية السببية التامة التي تؤدي إلى حدوث النتيجة، وهي الأسباب والشروط اللازمة وغياب الموانع. وإذا غاب أحدها فإن العلة تعتبر ناقصة ولا يحدث المسبَّب حتما أي لا نحصل على نتيجة.

7. الطاقة في هذا الكون فيها قابلية التحول من شكل إلى آخر، ولكن هذا التحويل لا يتم بشكل كامل وتام، وإنما تنتقل الطاقة بنسبة معينة فيما تتحول النسبة الباقية إلى أشكال أخرى من الطاقة وتسمى"مجازا" من قبل الإنسان بالطاقة الضائعة.

8. التسلسل السببي هو تحول النتيجة أو المسبَّب المنفعل بالطاقة السببية إلى سبب جديد يولد تأثيرا في شيء آخر غيره، وهذا يؤثر على مسبب آخر يتحول إلى سبب جديد وهكذا.

9. السلسلة السببية سلسلة محدودة أي أنه لا بد لها من بداية ونهاية حتما في زمان ما ومكان ما، ذلك أن الطاقة السببية هي كمية محددة والشروط المحيطة بالأشياء واللازمة لعمل الأسباب هي أيضا محدودة، وهذه المحدودات لا يمكن أن تنتج سلاسل لانهائية من الأسباب والمسببات، لأن صفة المحدودية كما تنطبق على الكمية فإنها تنطبق على عدد حلقات هذه السلاسل.

10. التعاون بين مجموعة من الأسباب لأداء عمل مشترك يشكل نظاما سببيا، فالنظام يتكون من أجزاء، وما يجمع هذه الأجزاء معا هو وجود شبكة من الروابط بينها والى ترتبها في نسق وأشكال ربط معينة أو وفق برمجة محددة.

11. الأشياء تميل إلى الفوضى ولا تنتظم إلا جبرا عنها، ولذلك لا يوجد تعاون تلقائي بين الأسباب لأداء وظيفة ما بل العكس هو الصحيح، والنظام السببي بحاجة إلى روابط وإلى طاقة تجمع الأجزاء المختلفة لتشكيل كيان جامع، وإذا كسرت الروابط انفلتت تلك الأجزاء من النظام وعادت إلى حالتها الطبيعية ودبت فيها الفوضى.

12. بما أن الأصل في تصرفات الأسباب أنها تميل إلى الانفلات من النظام فإن وجود النظام ابتداء بحاجة إلى سبب يربط ويجمع أجزاءه ويبرمجها حتى يتشكل النظام ليؤدي الوظائف التي أرادها له منظمه.

13. جميع الأنظمة السببية تميل إلى الاستقرار والتوازن، ولذلك فهي بالتالي تحتاج إلى حلقات التأثير العواد المعادل (التغذية الرجعية أو السببية المرتدة).

14. وجود التأثير العواد المعادل يعمل على تقليل الفارق بين ما هو كائن وموجود وما يجب أن يكون عليه النظام، فهناك الوضع الراهن وهناك الوظيفة أو الوضع المرغوب الذي يسعى النظام إلى الوصول إليه. ولذلك فلا بد بالضرورة أن يكون لكل نظام وظيفة أو هدفا وهو الوصول إلى تلك الحالة المرغوبة أو الحفاظ عليها.

15. يحتاج النظام لكي يقوم بعمله ولكي يصل إلى الوضع المرغوب، إلى مقياس دقيق وصحيح لتقييم الفارق بين الوضع الراهن والوضع المرغوب فيستطيع تقييم الفارق بين الحالتين ويقوم تاليا باتخاذ الإجراء اللازم للتصحيح. وتمثل الحواس الخمس والعقل في الإنسان تلك المقاييس اللازمة للتقييم وتحقيق الأهداف.

16. الأنظمة السببية غير العاقلة كالسيارة والساعة والنظام البيئي ليست غائية بذاتها أي لا توجد لها أهداف خاصة بها، بل تقوم بأداء عملها ووظيفتها كما هي مبرمجة عليه وفق القوانين والسنن الطبيعية.

17. الأنظمة السببية العاقلة كالإنسان والدول والأحزاب لها دوافع إرادة وغاية وراء كل فعل سببي تقوم بأدائه وتكون سابقة للأفعال السببية.

18. مبرمج أو صانع الأنظمة السببية غير العاقلة هو من يملك الإرادة وهو صاحب الهدف وهو الذي يحدد وظيفة وعمل النظام.

19. هناك فارق بين السببية الفيزيائية والسببية المتعلقة بأفعال وسلوك الإنسان بسبب وجود الإرادة والاختيار أو الحرية لدى الإنسان.

20. السببية الإنسانية لها شق فيزيائي حتمي وهو الأفعال التي تباشرها أعضاء الجسم متلبسة مع الشيء الآخر الواقع عليه هذا الفعل. والشق الآخر للعلاقة السببية الإنسانية يتعلق بالإرادة أو التفاعل بين المثيرات الخارجية أو الداخلية وبين القيام بالفعل.

21. سلوك الإنسان يكون بحسب مفاهيمه عن الأشياء، وهذا السلوك ليس آليا بل لا بد من صدور الأمر من العقل أولا لوجود الاختيار والإرادة، وبالتالي يكون الإنسان مسؤولا عن الفعل الذي قام به أي أن الإرادة هي سبب الفعل والسلوك.

22. الإرادة الإنسانية هي تلك الحلقة المتوسطة بين وجود المثير والقيام بالفعل أو التصرف الإنساني، وهذا ما يميز السببية الإنسانية عن غيرها بأنها اجتماعية وليست تلقائية أو آلية.

23. التنبؤ بالمستقبل وتوقع النتائج ضروري للإنسان لتحقيق غاياته وأهدافه، وهذا يستلزم معرفة الإنسان لكيفية تصرف الأسباب المنفردة وكذلك تصرف أنظمة الكيانات السببية، ويكون ذلك باكتشاف قوانين الطبيعية وسنن الطبائع التي تتحكم في العلاقة السببية.

24. السببية الفيزيائية تخضع لقوانين طبيعية صارمة وحدية، أما السببية الإنسانية فتخضع لسنن دائمة أو طبائع ولكنها غير صارمة أو غير حدية.

25. الطريقة العلمية في البحث تصلح لاكتشاف القوانين المادية الطبيعية بسبب إمكانية التأكد من النتيجة بإخضاع المادة للفحص في المختبر، كالفيزياء والكيمياء والهندسة.

26. الطريقة العقلية أوسع من الطريقة العلمية وهي لا تشترط الفحص المخبري بل تكتفي بالمشاهدة الحسية والاستقراء والقياس، وبالتالي فهي تصلح للمعارف الاجتماعية والإنسانية كالسياسة والاقتصاد والتشريع والتربية والنفس.

27. يمكن اكتشاف السنن أو الطبائع من خلال المشاهدات والاستقراء التاريخي، وهي لا تخضع للفحص في المختبر كما هو حال الفيزياء، ويستعان في اكتشافها وتحديدها بنظرية الاحتمالات والإحصاء الرياضي.

28. فكر الإنسان لا يستطيع التعامل مع السببية الموسعة عند البحث في ظاهرة إنسانية معينة، فيلجأ إلى اختزال أهم الأسباب من خلال اختيار تلك العوامل الأكثر أهمية والأكثر تأثيرا، واستبعاد تلك العوامل قليلة التأثير أو التي لا يمكن ضبطها من خلال قياس مقاديرها.

29. تتأثر عملية اختزال الأسباب بمنظومة الإنسان الفكرية ورغباته، وتكون دقة عملية اكتشاف سنن الطبائع عالية أو أقل دقة متعلقة بمدى حياد الباحث بالإضافة إلى مدى سهولة أو تعقيد الظاهرة الواقعة تحت الدراسة، ويضاف إلى ذلك مدى قدرته على فهم الظاهرة والتي تتأثر عادة برغباته وآرائه السابقة.

هذا ملخص علاقة السببية فأرجو من كان لديه من الإخوة تعقيب أن يكتبه هنا لنتناقش فيه ويتم الله به الفائدة.

ولكم جزيل الشكر سلفا

والسلام عليكم
رابط الموضوع من منتدى العقاب:
http://www.alokab.com/forums/index.php?showtopic=25212&hl=علاقة+السببية

مفهوم الزمن وتعريفه


مفهوم الزمن وتعريفه

السلام عليكم

ربما كان هذا الموضوع (الزمن) هو من أصعب المفاهيم التي يُتطرق إليها على الرغم من مدى بديهية مفهوم الزمن والوقت لدى الإنسان العاقل. وإن تناول البديهيات بالتمحيص أحيانا قد يزيدها غموضا لأنها أساس أولي لغيرها من الأفكار ويتقبلها الذهن دون الحاجة إلى التعمق في معانيها والبراهين عليها، ولكن لا مانع من المحاولة للوصول إلى الغاية التي نرجو الله تعالى أن يوفقنا إلى الصواب فيها.

مقدمة:

أن الزمن متعلق بالتغيير الذي يحصل لحالة الأشياء وحركاتها وارتباط عمليات التغيير والحركة في الأشياء ببعضها داخل النظام السببي في الكون وكون حصول هذه العمليات التغييرية على شكل سلاسل من العمليات الجزئية المتكررة المتساوية، فإن اقتران حدوث سلاسل حركات التغيير في الأشياء تعني وجود التزامن بينها أي في نفس اللحظة الزمنية، ومتوالية أجزاء اللحظات الزمانية المتساوية والمتسلسلة تعني الوقت.
أن معنى ما أقول غير متعلق بادراك ذهن الإنسان لذلك أو عدم إدراكه وانفعاله به أو عدمه، بل هو متعلق بالنظام السببي في الكون الذي تحدث فيه عمليات التغيير وفق قوانين وسنن جعلها الله في الكون. وعمليات التغيير التي تحدث هي خارج فكر الإنسان أي تحدث في الواقع الخارجي بغض النظر عن إدراك العقل الإنساني لها أو عدم إدراكه، فهي عمليات تغيير متحركة منذ اللحظة التي خلق الله في هذا الكون بسماواته وأرضه وفق قوانين صارمة ضمن النظام السببي للكون، والله جعل الشمس والقمر تتحركان في فلك ثابت مضبوط ضمن النظام الكزني كعلامة على الوقت ليتمكن الإنسان من تعلم عدد السنين والليل والنهار ومواقيت كل شيء.
وبالتالي فإدراك الإنسان لذلك هو يتعلق بوجود الزمن ذاته كواقع خارجي محسوس لحدوث التغيير في الأشياء قال تعالى "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا" فوجود آدم وذريته على الأرض كان في جزء من الدهر وهذا يعني أن الدهر موجود قبل وجود الإنسان نفسه، فالدهر ابتدأ عند لحظة خلق فاطر السماوات للأشياء وتقديره سبحانه لحدوث التغيير فيها، وهذا كان قبل خلق الإنسان وما بث الله في الأرض من دابة.
 

وبغرض التمهيد للمسألة لا بد أن نقرر الأمور التالية:


1. يتعلق الزمن بوجود الأشياء وبدونها لا وجود له.
2. لا يرتبط فهم الزمن بالأشياء الساكنة ابتداء ولكنه يرتبط بالتغير الذي يحدث في الأشياء.

3. هناك علاقة طردية بين التغير والوقت فمقدار التغير في الأشياء يرتبط ويحتاج لمقدار معين من الوقت.

4. التغير في الأشياء يعني انتقالها من حالة إلى أخرى بتأثير غيرها.

5. لا يحدث التغير في الأشياء إلا بأسباب معينة والسبب هو الشيء الذي يملك الطاقة السببية النشطة الفاعلة المؤثرة في الغير.

6. هناك اقتران بين السبب والنتيجة (المسبَّب) وهو ما يسمى بعلاقة السببية، وارتباط حدوث النتيجة بسببها يلزمه مقدار زمني معين من تأثير الطاقة السببية على الأشياء لتغيير حالتها التي هي فيها إلى حالة جديدة نسميها النتيجة. وعند بداية عملية الفعالية السببية من قبل السبب وبعد مضي فترة من الوقت تحصل النتيجة تاليا أي متأخرة في الترتيب.

7. مقدار الطاقة السببية الفاعلة والمؤثرة على الأشياء لفترة زمنية معينة ينتج مقدارا محددا من التغيير فيها.
 
8. هناك ارتباط بين الطاقة السببية الفاعلة والوقت، فالطاقة بحاجة إلى الوقت وبدون الوقت يكون تأثير الطاقة السببية لإحداث التغيير في الأشياء يساوي صفرا وكلما زاد الوقت زاد مقدار الطاقة السببية المؤثرة، فلا بد من امتزاجهما معا.
 
9. لا ندرك -نحن البشر- الوقت بذاته بل ندركه من خلال احتياج الطاقة السببية له لإحداث التغيير المطلوب في الأشياء، وبالتالي فماهية الوقت غير مدركة لنا مباشرة بل تدرك من خلال آثاره. فالوقت قيمة مقترنة بالطاقة السببية وقيمة الطاقة ترتبط بمقدار إحداث التغيير في الأشياء.

10. الوقت ليس قيمة مطلقة في الكون بل هو نسبي وقيمته ترجع إلى النظام السببي الذي يقاس فيه.وبتغير النظام السببي تتغير قيمة الوقت.

11. إن مقدار التغير في الأشياء يختلف من شيء إلى آخر ويؤخذ مقياس وحدة التغير في أحدها ليكون مقياس الوقت، ويقاس التغير في الأشياء الأخرى بالنسبة لوحدة القياس المعتمدة هذه كالساعة واليوم والسنة.

12. الوقت هو ما يحتاجه مقدار معين من الطاقة السببية الفاعلة ليكون كافيا في إحداث مقدار معين من التغيير في شيء ما. فالوقت شرط لازم يتحكم في كمية انتقال الطاقة السببية بين السبب والمسبب للوصول إلى النتيجة أي التغيير.

والخلاصة أن الزمن هو متوالية اللحظات الوقتية اللازمة لحصول حوادث التغيير السببية المتسلسلة، وماهيته غير مدركة لنا بالحواس مباشرة بل من خلال آثاره. لأن الوقت قيمة مقترنة بالطاقة السببية فلا فعالية سببية ولا تغيير بدون وقت ولا يدرك الوقت إلا بواسطة امتزاجه مع عملية التغيير السببي. والزمن ليس الحدث بل إن حصول الحدث التغييري يكون الزمن أحد لوازمه.
وبالتالي فإننا لا نستطيع الحكم على الزمن بأنه مادة أو طاقة أو غير ذلك، لأنه ليس بالضرورة أن ما يحس أثره أن يكون مادة أو خاصية للمادة كما نحس بوجود الروح في الجسم الحي من خلال آثارها وهي وجود طاقة الحياة في الأحياء التي تدفعها إلى الحركة والنمو والتكاثر وإشباع الغرائز والحاجات العضوية، ووجود الله كذلك مدرك من آثاره في مخلوقاته ولكن ذاته غير مدركة، لذلك فإن بحث هل الزمن مادة أو خاصية للمادة، هو كبحث هل الروح مادة أم غير مادة وهذا ما لا أرى قضية للبحث أو أنه يجوز أن يبحث.

وقد كتبت موضوع الزمن بالاعتماد على الحقائق التالية:


- الوضع الأصلي في الأشياء هو حالة الاستقرار والسكون، وهذا يعني أن كل أشياء هذا الكون تميل للكسل وأقل قدر من الطاقة وتحاول مقاومة أي نشاط إلا جبرا عنها.
- التغير هو انتقال الشيء وتحوله من حالة معينة في الزمن الأول إلى حالة أخرى في الزمن الثاني. فالتغير هو حالة طارئة تحدث للأشياء.

- الأشياء تُلزم بالتحول ويتحتم عليها التغير إلى الحالة الجديدة بفعل قوة قاهرة تجبرها على هذا التغير، وعند انتهاء تأثير هذه القوة فإن الأشياء تعود إلى وضعها الأصلي (حالة الاستقرار).

- لا يحدث التغير في الأشياء إلا بأسباب معينة والسبب هو الشيء الذي يملك الطاقة السببية النشطة الفاعلة التي تجعله مؤثرا في غيره.

- الطاقة السببية هي حالة يكتسب الشيء الذي يحملها القوة الدافعة أو القدرة على التأثير والفعل والحركة والنشاط الفعّال وبذل الجهد، ويستطيع بها نقل الأشياء التي يؤثر فيها من حالة الكسل والاستقرار وتحويلها إلى حالة من النشاط والحركة والقدرة على التأثير للوصول إلى النتيجة (التغير).
- إن تصرف الأشياء الواقعة تحت تأثير الأسباب أي انفعالها يتناسب طرديا مع مقدار الطاقة المؤثرة التي ينتجها السبب، فكلما زادت الطاقة المؤثرة ازداد مقدار الانفعال، وكلما قلت هذه الطاقة قل مقدار هذا الانفعال أو التجاوب.


والله المستعان وعليه التكلان
يوسف الساريسي
موضوع قديم مقتبس من منتدى العقاب ورابطه :

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

مثال على منهجية البحث في المحسوسات والمغيبات


مثال على منهجية البحث في المحسوسات والمغيبات

 
السلام عليكم

أحد الأخوة في منتدى العقاب ذكر بأن العقل هو القلب في الصدر وليس الدماغ، وذلك كتعقيب في موضوع : "ما هو مصدر المعلومات السابقة"
فأجبته كالتالي:
هذه مسألة اختلف فيها العلماء الأولين بين قائل بأن العقل في القلب أو في الدماغ كما يقول أبو حنيفة رحمه الله تعالى.

لكن ايها الإخوة أرى هناك مشكلة في منهجية البحث من حيث ما يطرحه بعض الإخوة حول هذه القضية.

منهجيتنا الصحيحة المتمثلة بطريقة التفكير المنتجة تقوم على أساس أن المحسوسات نحكم عليها من خلال البحث العقلي فيما يقع عليه الحس المسماة الطريقة العقلية في البحث، أما المغيبات فنحكم عليها من خلال الدليل النقلي أو السمعي المبني على فهم النصوص الشرعية باستخدام العقل واللغة، والخلط بين الأمرين يوجد إشكاليات لها أول وليس لها آخر.

فعند إرادتنا البحث في واقع التفكير والعقل لا نبحث عن ذلك في النصوص الشرعية، لأن النص الشرعي لم يأت لتعليمنا علوم الدنيا ابتداء بل جاء لبيان الشرعيات، وإن كان هذا لا يمنع من إشارة القرآن للعلوم لبيان نعمة الله ومنِّه وفضله علينا، لكن القرآن في الأساس ليس كتاب علم دنيوي وكذلك السنة النبوية المطهرة.

لذلك فبحث تعريف العقل والتفكير والمجتمع والإنسان وكذلك علوم الطب والهندسة والكيمياء والفلك وغيرها، كلها مردها إلى المحسوسات وبالتالي فالمنهجية المتبعة هي البحث تكون وفق الطريقة العقلية في البحث بنقل الحس بالواقع بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع.

وعملية التفكير ليس أمرا مغيبا لنلجأ إلى الدليل النقلي لفهمها وإدراك واقعها فهذه منهجية مجانبة للصواب، والمنهجية الصحيحة أن عملية التفكير أمر محسوس ملموس، وحسب رأي حزب التحرير فهي تتكون من أربعة أمور هي: الواقع المحسوس، والحواس السليمة والدماغ الإنساني الصالح للربط والمعلومات السابقة. وعند غياب أي من هذه الشروط نجد خللا في التفكير.

أما القلب المعروف الذي يضخ الدم في الجسم فلا يظهر له أية صلة حسية بالتفكير ،وقد حدثت في العالم منذ عدة عقود عمليات جراحية لتغيير قلوب الكثيرين من المرضى وبقي تفكيرهم وعقلهم كما هو.

وعلماء الطب والتشريح يجزمون بشكل قاطع بأن التفكير مكانه الدماغ كمركز للجهاز العصبي ويتحكم الدماغ في كل انشطة الجسم من خلال الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ وجذع الدماغ وكافة اجزاء الجسم. فمن ناحية واقعية محسوسة الدماغ هو عضو التفكير وترتبط كافة الحواس بالدماغ من خلال الأعصاب وهو مكان تخزين المعلومات. لذلك فكل شروط التفكير موجودة في الدماغ.

أما بالنسبة لفهم ما ورد في النصوص الشرعية من ذكر للعقل والتفكير والقلب والنفس فلها طريقة مختلفة في البحث عن المحسوسات، فهي تفهم على أساس اللغة العربية وما قصده العرب من استخدام اللفظة. وقد كتب أحد الشباب بحثا موسعا عن معاني القلب والنفس في القرآن درس فيه جميع الآيات وحدد معانيها

وباختصار فالقلب في عرف العرب يطلق على أمرين على العقل والتفكير وكذلك على الوجدان والأحاسيس والمشاعر

يقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى في جواب سؤال بتاريخ 25/7/1970 ما يلي:
اما العقيدة فهي ما انعقد عليه القلب،  والقلب يطلق على العقل ويطلق على القلب المعروف ويراد منه في هذه الحالة الواجدان . ومعنى انعقاد القلب عليها هو احتواؤه لها وضمها اليه ضما كاملا واكيدا بارتياح . وهذا يعني ان يأخذ الوجدان هذه الفكرة ويشدها اليه ويوافقه العقل على ذلك ولو موافقة تسليم . فالاعتقاد اصله انعقاد القلب على موافقة العقل،  اي اصله التصديق الجازم من قبل القلب اي من قبل الوجدان ولكن شرط هذا التصديق الجازم موافقة العقل،  فاذا تم هذا الامران : التصديق الجازم من قبل القلب اي الوجدان،  وموافقة العقل لهذا التصديق،  فقد حصل انعقاد القلب اي حصلت العقيدة بمعنى حصل الاعتقاد
هذا هو واقع العقيدة - اي عقيدة- الا ان انعقاد القلب على افكار فرعية ليست اساسية لا يرتفع الى مستوى العقيدة،  لانه لا يتفرع عنها شيء، ولا يترتب عليها شيء،  ولذلك فانها لو اخذت في اول الامر التصديق الجازم ولكنها لا تلبث ان تخرج من دائرة الوجدان اما الى دائرة العمل واما الى الرفض لذلك فان القلب لا ينعقد الا على افكار اساسية يمكن ان يتفرع عنها ويمكن ان يترتب عليها شيء او اشياء،  ومن هنا كانت العقائد هي الافكار الاساسية،  واما الافكار الفرعية فلا تدخل ضمن العقائد

 فعند دراستنا لآيات القرآن نفهمها وفق دلالات اللغة العربية فعندما يقول الله تعالى (لهم قلوب لا يفقهون بها) وقوله (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) نفهم تفسير هاتين الآيتين من خلال اللغة العربية بأن المقصود بالقلب الذي يفقه والقلب الذي يعقل هو العقل لا الوجدان، أما قوله تعالى: (ولما يدخل الايمان في قلوبكم) ندرك أن معنى القلب هنا هو الوجدان أو الشعور الفطري المتولد من إثارة غريزة التدين.

والخلاصة أن دلالات القلب في النصوص الشرعية مختلفة وتفسر حسب السياق، لأن لفظة القلب من الألفاظ المشتركة التي تحمل عدة معاني في اللغة،  والقرآن استخدم هذه اللفظة وفق استخدام العرب لها بالمعاني اللغوية المذكورة.
والرابط كما يلي:
يوسف الساريسي
في 11/9/2012