الأحد، 26 مايو 2013

الرد على تشكيكات من ملحد

الموضوع: الرد على تشكيكات من ملحد
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

كتب أحد الإخوة في منتدى العقاب ردا من ملحد يشكك فيه بوجود الخالق من خلال التشكيك في الأدلة الثابتة على وجود الله، وقد كتبت له ردا على التشكيكات.
أما كلام الملحد فهو كما يلي:
كل ما تريد قوله في اختصار هي انك تقول ان العالم محدود، نعم العالم محدود والمادة فيه نفسها فقط تدور وفق قونين
لكن من اين اتى الكون؟ من عدم ام لا
ان كان من عدم فكيف ياتي الله بشيئ من لا شيئ ؟ كمن ياتي ب 1 من 0
وهل يمكن ان اتي بموجود من عدم اي من لا شيئ ،لا يمكن. وهل يمكن ان اتي بموجود من عدم اي من لا شيئ، لا يمكن
اذن الافتراض المتبقي هو ان الله خلق الكون من ذاته ، ان كان خلقها من ذاته في الفرضين فهو ليس 'صمدا' اما كل باقي فلسفتك فهي فلسفة جمالية اغلبها تلف وتدور
ان كان هذا العالم كما اتفقنا محدودا فكيف كان عدما اصلا وهو محدود في حالته الوجودية
لا يمكن ان ياتي من عدم اذن هو ازلي ولا يمكن لله ان يخلق الكون من ذاته لانه لن يكون صمدا

انتهى رد الملحد على المناقش له!!!
وقد كتبت له ردا كالتالي:
بالنسبة لأسئلة الملحدين كمثل ما ذكرت، فهي عموما أسئلة تشكيكية تنطعية ليس لها قرار، وهي ليست اسئلة فكرية عميقة بحاجة إلى بحث ونظر ثم الإجابة عنها، لذلك فلا أرى أن تشغل نفسك وتشغل أعضاء المنتدى في الرد على امور تشكيكية تافهة لا ترقى لدرجة النظر ثم الرد.

ولذلك فنحن نرى أن لا نحرك فكرا راكدا ساكنا ملحدا لا تستمع إليه الأمة ولا تحترمه ولا تهتم به وتترفع عن الاستماع إليه ولذلك وجب نبذه نبذ النواة.

ولكن وبما أن السؤال قد طرح في المنتدى وأنك أحببت الحصول على إجابة، فأقول لك وبالله التوفيق ما يلي:

إن استدلالنا بأن الكون محدود من ناحية المكان والزمان يثبت بأن هذا الكون غير ازلي قطعا، إذ الأزلي لا حدود له زمانا ولا مكانا ولا حدود لقدرته ولا يمكن أن يخضع لقوانين تتحكم في تصرفاته وتجعل منه عاجزا!!!

وبما أن الكون محدود فهناك من وضع له هذه الحدود، وهو بالتالي عاجز عن تخطي هذه الحدود التي وجد فيها، وهو من زاوية ثانية خاضع لقوانين وأنظمة ونسب محددة تتحكم فيه وفي حركته ولا يتحكم هذا الكون فيها، وبالتالي فهذا يثبت أن هذا الكون المحدود عاجز أي له صفة العجز.

وبما أن الكون المحدود عاجز عن الخروج عن الحدود التي وجد فيها فهو ليس بأزلي، أي أنه وجد في زمن معين وبحدود معينة من قبل غيره.

أي أن محدودية الكون تعني أنه لم يكن موجودا في لحظة معينة ثم وجد، وهو الآن موجود وهذا يعني بالضبط أنه مخلوق، فالمخلوق هو الشيء الذي وجد في لحظة معينة بعد أن كان غير موجود. وبالتالي هذا يثبت قطعا أن الأشياء الموجودة التي نحس بها هي مخلوقة لأنها محدودة وعاجزة عن الخروج عن حدودها وبالتالي هي أعجز عن أن توجد نفسها بنفسها قبل وجودها.

والسؤال هو من أوجدها؟
وقبل ان نقفز إلى الإجابة التي يرفضها الملحدون وهي أن نجيبهم بالقول بأن الذي خلقها هو الله، فإن الاستنتاج العقلي يتدرج في الإجابة كي لا يقفز أحد جاهل مثل من تنقل عنه ويتقول ما يتقول دون فهم ولا وعي.

ان السؤال حول من أوجد الأشياء طبيعي في الفكر الإنساني لأن كل البشر يشعرون بمحدودية وعجز واحتياج الأشياء وبالتالي هناك إقرار بأنها وجدت بعد أن لم تكن موجودة، وحتى أقوى نظريات العلوم الفلكية الحديثة تقول بنشوء الكون بعد الانفجار العظيم (Big Bang) قبل 13.8 مليار سنة

ولكن لا يقوم استدلالنا هنا على هذه القضايا على النظريات العلمية بل على يقوم على إدراك الواقع وعلى مقتضيات العقل وقوانين التفكير.

ولذلك فعندنا يقين بأن الكون محدود وأنه وجد بعد أن لم يكن موجودا وأنه عاجز عن ايجاد نفسه بنفسه وقطعا هناك قوة ما أوجدته طبقا لمبدأ السببية (سبب يولد نتيجة) التي تقر بها جميع عقول البشر وتقوم عليها جميع التغيرات في الكون فلا تغير بدون سبب مغير (بكسر الياء المشددة).

والبحث الآن يسلط على القوة القادرة التي تستطيع ايجاد هذا الكون بعد أن لم يكن. وهذا البحث يستلزم عقلا أن تكون هذه القوة قادرة على ايجاد الاشياء من لا شيء يعني القدرة على الخلق، أي أن هذه القوة هي قوة قادرة على الخلق. وبالتالي فهذه القوة هي الخالق الذي خلق الكون من لا شيء -اي من العدم- وأنها أوجدته بعد أن لم يكن موجودا وجعلته محدودا في الزمان والمكان وخلقت فيه الخاصيات والصفات وخلقت القوانين والأنظمة التي تتحكم في تغيره وانتقاله من حال إلى حال، أي أنها خلقت الأسباب المغيرة أيضا أي خلقت الطاقة السببية التي تلزم للتغيير.

الآن هذا الملحد يفترض بأنه لا يمكن أن يأتي شيء من لا شيء، وهذا صحيح وفق مبدأ السببية ولكن الإجابة هي أنه لم يقل أحد العقلاء بأن الكون لم يصدر بدون سبب بل الصحيح أنه صدر من الخالق، أي أن الكون أتى من قوة تستطيع ايجاد الأشياء بذاتها وإلا كان مستحيلا أن يوجد ما نراه حولنا من الكون والأشياء، ولكن وبما أن الأشياء موجودة قطعا ونحن نحس بوجودها في الواقع فبالتالي يكون وجود خالق خلقها أي أمر قطعي ايضا بنفس القوة من التصديق والايمان.

أما كون أن الله خلق الكون من ذاته بمعنى أن المخلوقات جزء من الخالق -كما يدعي هذا الملحد -  ويستنتج بأنه لا يمكن أن يكون صمدا (بمعنى أنه غير محتاج وغير محدود وأزلي) فهذا صحيح إذا استطاع أن يثبت لنا أن الكون والمخلوقات جزء من الخالق وأن ماهية الخالق هي مادة مثل المخلوقات. وطبعا فهذه الإجابة غير صحيحة ولا يمكنه إثباتها أو نفيها ولكنه أراد بذلك التلبيس على الدليل والتشكيك فيه -كعادة الملحدين- وليس الوصول إلى نتائج عقلية صادقة حقيقية.

أما الجواب على هذا السؤال فهو بكل بساطة تكون أننا لا نبحث في ذات الخالق الأزلي الصمد غير المحدود وغير المحتاج لأننا لا يمكننا الإحاطة به ولا يقع حسنا على ذاته، بل فقط نستطيع إثبات وجوده كخالق ونستطيع إثبات بعض صفاته من أنه غير محدود وغير عاجز وغير ناقص وغير محتاج وأنه أزلي صمد ليس له أول ولا آخر وأنه الذي خلق الوجود فهو سبب الوجود والكون والأشياء ولولا وجوده لاستحال وجود الأشياء.

وبالتالي فالبحث في ذات الله مستحيل وغير ممكن لأن ذاته غير محدودة وهي فوق طاقة العقل البشري المحدود فلا يستطيع العقل البشري إلا إدراك الأشياء المادية المحسوسة وذات الله ليست كذلك فلا يستطيع العقل البشري ولا حواسه إدراك ذات الله.

ولكن العقل البشري يدرك قطعا أن هذه القوة هي سبب وجود الكون وهي التي خلقته من عدم، ويدرك العقل بعض صفاتها ولكن كيفية خلق الكون وماهية الخالق وماهية الخلق فلا تقع تحت الحس، وبالتالي فلا يمكن البحث فيها ولا البناء عليها باستنتاجات منطقية، لأن اساس التفكير هو البحث في المحسوسات وليس البحث في المغيبات فما ليس بمحسوس لا يمكن الحكم على ذاته وعلى ماهيته. ولكن يمكن الحكم على وجود الأشياء التي لا نحس بها من الآثار الدالة على وجودها طبقا لمبدأ السببية.

ولكننا من إدراكنا بأن من صفات هذه القوة أنها يجب أن تكون قادرة على الخلق لأنها الذات الخالقة للكون، فلا يعنيني بشكل كبير كيف خلقت الأشياء وغيرها من الأسئلة، بل الذي يعنيني في هذه اللحظة شيئان:

أولا: وجود قوة خالقة قادرة مستطيعة على ايجاد الأشياء من عدم

وثانيا: وجود مخلوقات وأشياء صدرت بإرادة هذه القوة

أما الشكل والكيفية والماهية للخالق فهذا غير مطلوب للايمان، بل المطلوب هو إثبات الوجود وبعض الصفات اللازمة للخالق أما غير ذلك فلا يلزم للاستدلال، وأما كيفية خلق الأشياء والكون فإن هذه الكيفية لم يقع حسنا عليها وقت خلقها وهي من المغيبات، وهذا ما لا نعرف كنهه ولا ماهيته بحواسنا وعقولنا، ولكننا ندرك أن الأشياء موجودة قطعا لأننا جزء منها ونحس بها. قال الله تعالى: (ما اشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم)

وعليه فإن وجود المخلوقات من الكون والإنسان وباقي الأشياء أمر قطعي وكون هذه الأشياء محدودة ومحتاجة وعاجزة وناقصة أمر قطعي أيضا بشهادة الحس والعقل، وكون لها خالق هو السبب في وجودها أمر قطعي ايضا وكون هذا الخالق من صفاته أنه يجب أن يكون غير محدود ولا عاجز ولا محتاج (صمد) وأنه أزلي واجب الوجود أمر قطعي أيضا.

أما كيف خلق ومتى خلق ولماذا فهذه أمور لا يدركها العقل إلا إذا أخبرنا عنها خالقها لأنها مغيبات بالنسبة لنا، والمغيبات نؤمن بها إذا أخبرنا الله عنها بطريق الرسل وعن طريق الكتب المنزلة على الأنبياء، وهذه الأخبار الغبيبية تعطي بعض الإجابات عن هذه الأسئلة التي تشكل العقدة الكبرى عند الإنسان (من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ أو الأصل والمصير والهدف) نصدق بها لايماننا بصدق المخبر عنها وهو -ربنا- قد أخبرنا  وأعطانا الإجابات عن خلقنا وعن وظيفتنا في هذه الحياة وعن وجود فناء لهذا الكون ووجود حياة أخرى ووجود يوم القيامة ومحاسبة الناس على أعمالهم وعن وجود الجنة والنار وغيرها.

إذن النتيجة واضحة والإجابة كاشفة، وهي تبين زيف الإلحاد وكيفية التشكيك في الايمان بالله وأول طريق الكفر هو الشك،

ثم يأتي الإلحاد كايمان مضاد للايمان بالله حيث يؤمن الملحد بأن صفات الله تتجسد في المادة وبالتالي فالملحد يقع في تناقض مع نفسه ومع ما يعتقد وهو لا يستطيع الخروج من هذا التناقض، فكيف يؤمن بأن الكون أزلي وأنه ليس بمخلوق وفي نفس الوقت يثبت له عقله بأن الكون محدود وعاجز ومحتاج وهو مخلوق؟ فاي تناقض هذا!!!!

حقا إن الكفر والشرك والإلحاد غير معقول!!

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والحمد لله الذي هدانا للتفكر لمعرفته وعبادته والاستعانة به.

ولك تحياتي

الأربعاء، 24 أبريل 2013

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن (2)

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أفضل الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد،

لاحقا لما ذكرناه سابقا حول مسألة القيمة والثمن، والفرق بين القيمة عند المسلمين وعند الرأسماليين ومدى تأثير الندرة من عدمه... لماذا القيمة ثابتة والثمن متغير؟

وكون البحث صار إلى تحديد معنى القيمة، فقد وردني من أحد الإخوة فيما يتعلق بهذا الموضوع التالي:

1.        القيمة هي اساس الثروة والثروة هي اساس الاقتصاد (سواء علم الاقتصاد او نظامه) لذلك فهذا من اهم ابحاث الاقتصاد واخذت ما اخذت من جدال بين الاقتصاديين

2.       عليه وجب ان تكون القيمة مضبوطة وان تكون ثابتة ليصلح البناء عليها اقتصاديا

3.       القيمة شيء متعلق بالشيء ذاته وهي غير نسبية كما هو عند الرأسماليين..

4.       يأتي اللبس عند بعضنا لادخالنا (مع ملاحظة عامل الندرة) ... فاعتبار الندرة من مقومات تقدير القيمة يجعلها نسبية تتغير بتغير العرض والطلب. وهذا فهم غير دقيق. فعامل الندرة يلحظ ولا يدخل في تقدير القيمة وهنا مربط الفرس.

5.       مثال: قيمة الماء: مقدار ما فيه من منافع ولنقل منفعة 1 و2 و3و4 وهذا لا يتغير سواء كان الماء نادرا او غير نادر.. ملاحظة عامل الندرة تأتي في علاقة الانسان بهذه السلعة في حين ندرتها ووفرتها.  فمنافع الماء هي هي في الحالتين، ولكن حرص الناس عليها في حال ندرتها اكثر.. ولكنه لا يزيد في المنفعة او يقلل منها...

كيف نقول ان ملاحظة عامل الندرة لا يجعل من القيمة نسبية؟؟

الجواب بسيط: النسبية تعني تغير القيمة من شخص لشخص ومن وقت لاخر.. ولكن لو كان الماء شحيحا عند البوذي، فهل يحرص عليه اكثر من حرص المسلم او أكثر من حرص الرأسمالي؟؟ الجواب: لا. وهذا يعني ان ندرة السلعة تجعلها أهم عند الجميع على حد سواء.. فهي ليست نسبية.. وتكون نسبية إذا ما كانت ندرة الماء لا تجعلها اهم عند فلان وتجعلها اهم عند آخر في نفس الظروف، كما هو الحال في فهم القيمة عند الرأسماليين. ا. هـ.


وأود أن أضيف إلى أن تعريفنا للقيمة بأنها: "مقدار ما في الشيء من منفعة مع ملاحظة عامل الندرة"،
 
إلى أن المنفعة يدخل فيها عاملان هما:

الأول: المزايا التي في الشيء والتي تجعله نافعا ومناسبا للإشباع

والثاني: الرغبة في الشيء

أما العامل الثالث في تحديد القيمة فهو:   عامل الندرة
أما المزايا فهي لا تختلف من إنسان لآخر بل هي ثابتة في نفس الشيء ، ,أما الرغبة فإنها تختلف وفق ميزان الحسن والقبح أو الخير والشر أو الحلال والحرام
فالمسلم مثلا لا يرغب في الخمر والحشيش والخنزير لكونها حراما، وبالتالي فلا قيمة لها عنده، بعكس الكافر بالرغم مما قد يبدو للكافر من مزايا فيها.

من جهة أخرى نلاحظ أيضا أن قيمة الهواء الذي نتنفسه تساوي الصفر تقريبا بالرغم من مزاياه ورغبة الناس العالية جدا فيه، والسبب الذي يفسر لنا قلة قيمته، يعود إلى إدخالنا عامل الندرة في التعريف حيث أن توفرهذا الشيء (الهواء) لكل إنسان وتجاوز ذلك حد الوفرة بأضعاف أضعاف حاجتنا منه، بشكل لا يجعل الصراع عليه موجودا أو ممكنا مما يؤثر في قيمته مما يجعله تافها.

ولنأخذ مثلا آخر لأهمية عامل الندرة في القيمة عند لحظات معينة، حيث نقرأ ونسمع عن قصة العالم المسلم الذي حضر عند هارون الرشيد وسأله الخليفة أن يعظه، فقال له العالم -بما معناه- ماذا تدفع يا أمير المؤمنين إذا حبس عنك كوب الماء هذا؟ فرد الخليفة نصف ما أملك!! فقال له العالم: وماذا تدفع إذا حبس هذا الماء في جسمك ولم تستطع إخراجه؟ فرد هارون الرشيد: أدفع النصف الآخر!
فقال العالم للخليفة: عجبا لملك أو ما قيمة ملك لا يساوي كوب ماء تشربه أو يحبس في جوفك!!!


وهذا المثال يدل على أن قيمة الشيء (كوب الماء) يساوي نصف ملك هارون الرشيد في حالة فقدانه، مما يدل على أهمية عامل الندرة في تحديد قيمة الأشياء إذا كان الشيء غير متوفر أي تحت حد الندرة بكثير.


أرجو أن يكون الموضوع قد اتضح بالنسبة لتعريفنا للقيمة ومعنى ملاحظة عامل الندرة وتحديد حدي الندرة والوفرة وعلاقتهما بالقيمة
والحمد لله الذي هدانا للحق والطريق المستقيم


وعليه التكلان وبه نستعين
الرابط:
 

الخميس، 18 أبريل 2013

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن

اقتصاد: أبحاث القيمة والثمن


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،


عرف الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى في كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام القيمة بأنها:


"مقدار ما في الشيء من منفعة مع ملاحظة عامل الندرة".

ومن التعريف نجد أن هناك عاملان يدخلان في تحديد قيمة الشيء هما : مقدار المنفعة والندرة.

أما عامل المنفعة فهو ثابت في ذات الشيء حيث أنه يشبع بمقدار معين وهي -أي المنفعة- ثابتة بالمقارنة مع غيره من الأشياء.

أما عامل الندرة فهو متغير، وهو لا علاقة له بالأشياء ذاتها بل بأشياء خارجة عن ذات الشيء وهي مرتبطة أكثر بمحددات الندرة والوفرة.

ولتحديد تأثير محددات الندرة والوفرة وتأثيرها في القيمة، فإن هذا العامل -أي الندرة- لا يؤثر في القيمة إلا عند حدود معينة أي أن هذا العامل قيمته تساري صفرا في تحديد القيمة عندما تكون الأشياء المعروضة وفيرة. ويكون هذا العامل مؤثرا عند محددين:

المحدد الأول: هو محدد الندرة بمعنى أن المعروض والمتوفر من هذا المال أو الجهد (السلعة أو الخدمة) قليل إلى حد يجعل التنافس والصراع عليها بين المنتفعين يأخذ طابعا عنيفا.
المحدد الثاني: هو محدد الوفرة الكثيرة للمعروض والمتوفر من هذه السلعة أو الخدمة إلى حد يجعل التنافس والصراع عليها معدوما.

وهذا التفسير يحل إشكالية قيمة الماء بالنسبة للألماس أو كما يقول الأجانب: (Water Diamond Paradox)
حيث أن الماء له منفعة عظيمة بالنسبة لحياة الإنسان ولكن ما الذي يجعل قيمته هذه ضئيلة بالنسبة للألماس الذي تكون منفعته للإنسان قليلة وقيمته عالية جدا؟

وبالتالي فإن تفسير هذا الأمر يكون بالاعتماد على محددات الندرة والوفرة، حيث وفرة الماء في الأرض ونزول المطر يجعل لهذا الماء قيمة أقل بسبب الوفرة العظيمة فوق حد الوفرة (أي أنه يلبي حاجات الإنسان بأضعاف ما يحتاجه)، حيث أن الماء يصل إلى كل شخص منتفع وإلى كل بيت دون تعب. أما الألماس فمنفعته بالنسبة للإنسان قليلة ولكن قيمته وثمنه مرتفع، وهذا يعود إلى تأثير عامل الندرة (محددات الوفرة والندرة) حيث أنه غير متوفر إلا في مناجم يحتاج استخراجه منها إلى جهد عال.

والخلاصة أن قيمة الشيء تعود إلى عامل واحد وهو مقدار ما فيه من منفعة بشرط أن يكون عامل الندرة محيدا أي أن تأثيره يساوي صفرا، بمعنى أن توفر السلعة أو الخدمة في السوق يقع بين محددات الوفرة والندرة، أي أن السلعة أو الخدمة لا تزيد عن حد وفرة معين ولا تنقص عن حد ندرة معين أي يقعان بينهما، وإذا تجاوت كمية السلعة أو الخدمة هذه الحدود (أعلى من حد الوفرة أو أدنى من حد الندرة) يبدأ تأثير عامل الندرة والوفرة ويصبح لهذا العامل أثرا في زيادة القيمة ونقصانها.


ملاحظة هامة:

يجدر بالملاحظة أن حزب التحرير ذكر في تعريف القيمة جملة هامة وهي (مع ملاحظة عامل الندرة).

وهذه الجملة لم تصغ عبثا بهذا الشكل في التعريف، وإنما هي مقصودة فذكر كلمة "مع ملاحظة" ولم يذكر غيرها مثل حسب قانون العرض والطلب مثلا.

فإدخال قانون العرض والطلب هنا غير دقيق وليس هو المقصود، لأن قانون العرض والطلب يؤثر في الثمن وليس في القيمة، وهذا أمر جد هام لا بد من ملاحظته.

والمدقق في الكلام المذكور أعلاه يلاحظ الفرق، حيث أنني ذكرت أن هذا العامل -أي عامل الندرة- لا يلاحظ عند وجود الوفرة وليس له أثر في القيمة، ولكن هناك حدود معينة يؤثر فيها عامل الندرة وهناك حدود لا يؤثر فيها ألا وهي محددات الوفرة والندرة، وهذا ما أفهمه من التعريف من معنى لـــ"مع ملاحظة عامل الندرة"

وما ذكرته من محددات الندرة والوفرة هي التي لها تأثير في القيمة، وليس قانون العرض والطلب.

فأرجو أن تلاحظ الفرق الدقيق بين الأمرين

والله الموفق وعليه التكلان

والحمد لله رب العالمين

رابط: http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=6997&pid=33391&st=0&#entry33391
 

الأحد، 14 أبريل 2013

قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر ( 2 )


العنوان: قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر ( 2 )

السلام عليكم
أود أن أذكر لحضراتكم بعض اقوال المفسرين لقوله تعالى في سورة الشورى: { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ {18}
ومنه تتضح الصورة لبعض لإخوة الذين بنظرون للأمور من زاوية واحدة فقط أو لمن يأخذون بنظرية العامل الواحد أو أن الحق لا يكون إلا في رأي واحد، فأحببت أن انقل لكم بعض تفاسير لهذه الآية توضح ما ذهبنا إليه.
مفاتيح الغيب للرازي
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والبينات، وأنزل الميزان وهو الفصل الذي هو القسطاس المستقيم، وأنهم لا يعلمون أن القيامة متى تفاجئهم ومتى كان الأمر كذلك، وجب على العاقل أن يجد ويجتهد في النظر والاستدلال، ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد، ولما كان الرسول يهددهم بنزول القيامة وأكثر في ذلك، وأنهم ما رأوا منه أثراً قالوا على سبيل السخرية: فمتى تقوم القيامة، وليتها قامت حتى يظهر لنا أن الحق ما نحن عليه أو الذي عليه محمد وأصحابه، فلدفع هذه الشبهة قال تعالى: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } والمعنى ظهر، وإنما يشفقون ويخافون لعلمهم أن عندها تمتنع التوبة، وأما منكر البعث فلأن لا يحصل له هذا الخوف.
ثم قال: { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } والممارة الملاجة، قال الزجاج: الذين تدخلهم المرية والشك في وقوع الساعة، فيمارون فيها ويجحدون { لَفِي ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } لأن استيفاء حق المظلوم من الظالم واجب في العدل، فلو لم تحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله تعالى، وهذا من أمحل المحالات، فلا جرم كان إنكار القيامة ضلالاً بعيداً.
فتح القدير الشوكاني
{ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ } أي: يخاصمون فيها مخاصمة شك، وريبة، من المماراة، وهي: المخاصمة، والمجادلة، أو من المرية، وهي: الشك، والريبة { لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ } عن الحق؛ لأنهم لم يتفكروا في الموجبات للإيمان بها من الدلائل التي هي: مشاهدة لهم منصوبة لأعينهم مفهومة لعقولهم، ولو تفكروا لعلموا أن الذين خلقهم ابتداء قادر على الإعادة.
روح المعاني للالوسي
فالمعنى إن الذين يترددون في أمر الساعة ويشكون فيه { لَفِي ضَلَـٰل بَعِيدٍ } عن الحق فإن البعث أقرب الغائبات بالمحسوسات لأنه يعلم من تجويزه من إحياء الأرض بعد موتها وغير ذلك، فمن لم يهتد إليه فهو عن الاهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد.
خواطر الشعراوي
لذلك وصف الذين يجادلون فيها مجرد جدال بأنهم في ضلال بعيد { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } [الشورى: 18] والمراء: هو الجدل العقيم الذي لا يوصل إلى الحقيقة.
ووصفهم بأنهم في ضلال بعيد، لأن مجرد النظر العقلي يثبت يوم القيامة وضرورته بالنسبة للحياة الدنيا، فلو تأملوا واقع حياتهم لوجدوا أنهم في أمور دنياهم يأخذون بمبدأ الثواب والعقاب، فلا بدَّ لتستقيم الأمور من مجازاة المحسن بإحسانه، ومعاقبة المسيء على إساءته.
في واقع حياتهم تعليم وتلاميذ في المدارس يُجرون لهم اختبارات شهرية يُصوَّب فيها الخطأ بالأحمر ليعرف التلميذ خطأه ويُصححه، أما في امتحان آخر العام فلا تُصوَّب الأخطاء، إنما تُعطى عليها درجة يترتب عليها نجاح أو رسوب، هذا هو الحساب والجزاء.
فإذا كنتم تفعلون ذلك في أمور دنياكم، فلِمَ تكذبون به مع الله عز وجل، وفي البشر في رحلة الحياة المؤمن والكافر والطائع والعاصي والمجرم والمحسن، كيف إذن يتساوى كُلُّ هؤلاء؟
الرجل الذي قال: لن يموت ظَلُومٌ حتى ينتقم الله منه، لأن العقل يقول ذلك ولا يصح أنْ يفلت بجرائمه دون عقاب، فلما رأى ظالماً مات سالماً لم يُصِبْه شيء قال ماذا؟ قال: لا بدّ أن وراء هذه الدنيا حياةً أخرى يُعاقب الظالم على ظلمه، لا بدَّ وإلا فقد فاز المجرمون الظالمون وأفلتوا بجرائمهم، وضاع حَقُّ المظلومين والضعاف في الدنيا وفي الآخرة.
وبعد،
فهل كلام العلماء والمفسرين لآيات الله واستدلالهم بالأدلة العقلية على أن المشككين بالآخرة في ضلال ضلال بعيد، في هذا المقام غير معتبر؟
الحقيقة أن الأدلة العقلية والنقلية تتعاضد ولا يجافي ولا يناقض بعضها بعضا، بل جميعها تصب في نفس الاتجاه،
وبذلك فعلينا أن نوسع الافق في التفكير والبحث وطرائق الاستدلال، خصوصا إذا كانت هذه طريقة القرآن في التدليل، وبالتالي فليس هناك فصل تام بين العقلي والنقلي إما هذا أو هذا بل قد يكون كليهما وهما يتكاملان ولا ينفصلان
والحمد لله رب العالمين
 

قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

العنوان: قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر
 
إننا لا نعتبر أن الدليل على وجود يوم القيامة هو دليل عقلي محض مستقل بذاته، بل إن الدليل على ثبوت يوم القيامة والجنة والنار والحساب والحشر والصراط هو دليل نقلي وسمعي في الأساس ولا يمكن أن يكون دليلا عقليا مستقلا عن السمع. ولذلك فالاستدلال على كل ما تعلق بما بعد الموت والحياة الآخرة يرجع إلى النصوص القطعية ولا يخضع للعقل والحس.
ولكن يمكن أن ينظر العاقل المفكر إلى وجود قرائن عقلية على الحاجة واللزوم لوجود يوم للقيامة واللحساب والجزاء، وأذكر منها ما يلي:

تحقيق العدالة:

لا يجد العقل مناصا من الإقرار بشكل ما بالحاجة إلى وجود المحاسبة للطائع والعاصي في هذه الدنيا، ولا مانع بأن يحصل ذلك في يوم آخر حيث ان العقل يؤمن بأن تحقيق العدالة يقتضي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وما دام هذا الأمر لا يحصل في الحياة الدنيا فلا مانع من حصوله في حياة ثانية أخرى، وإذا ربط هذا الأمر مع وجود صفات الكمال لله عز وجل وخصوصا صفة العدل فتصبح المسألة ليست فقط عدم منع، بل تصبح أمرا لا بد منه.

دورة الحياة والإعادة:

لقد اهتم القرآن الكريم بهذه القضية ايما اهتمام، لأن المشركين من العرب كذبوا أكثر ما كذبوا ليس بوجود الله بل بيوم القيامة، ولذلك تجد القرآن الكريم يسرد عشرات المرات وبأمثلة كثيرة من حياة البشر وبيئتهم لتقريب الصورة وللتمثيل، حتى تستطيع عقول الكفار أن تستوعب المسألة، فضرب أمثلة كثيرة منها مثال النبات، حيث تكون الأرض هامدة فيرسل الله عليها المطر فتنبت الزرع والنبات، وعندها ترى الأرض مخضرة تعج بالحياة ثم يهيج هذا الزرع ويصبح مصفرا ثم يتحول إلى الحطام والموت، ولكن يبقى منه شيء وهو البذور. ولكن هذه البذور تبقى خامدة جامدة حتى ينزل المطر مرة أخرى بأمر الله، فتحيا من جديد، فتكون دورة حياة ثانية بإعادة الحياة مرة أخرى لهذا النبات والزرع.

 كل هذه الصور والأمثلة الرائعة هي لكي يقوم الكفار المشركين باستخدام عقولهم من خلال عملية قياس عقلية، حيث أنهم يشاهدون دورة الحياة والإعادة للنبات كل سنة في حياتهم، وقد شبه الله تعالى حياة الإنسان بحياة النبات ولذلك فعودة الإنسان للحياة مرة أخرى في يوم القيامة ليس أمرا مستحيلا بل إنه جائز، ولكن الله جعل هذه الإعادة في اليوم الآخر

 وقد ذكر النبي عليه الصلاة السلام في الحديث بما معناه أن الإنسان يفنى ولكن يبقى منه عجم الذنب وهو عظمة في مؤخرة العمود الفقري وينبت الإنسان منه يوم القيامة.

الريادة التكرار:

الأمر الذي فيه ريادة وابتكار وابداع في عرف البشر هو أصعب من عملية تكراره من خلال نسخه وإعادة صنعه مرة أخرى، ولذلك فالإعادة أسهل وفق مقاييس العقل من الابتكار والابداع والريادة أول مرة، لأن المرة الأولى تحتاج إلى جهد فكري وعملي عظيم لكي تكون متقنة، أما بعد التجربة الأولى للاشياء، فإن صنعها يكون أسهل وأهون، لأن الأمر حينها لا يحتاج للابداع والابتكار مرة أخرى بل هو مجرد تكرار.

 ولذلك ذكر الله تعالى للكفار بأن الله هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ولكنه استدرك بقوله "ولله المثل الأعلى" لأن الابداع والابتكار لا يقاس عليه الخالق بل هو مثل لتقريب الصورة فقط، فمن آمن بقدرة الله على الخلق أول مرة كان عليه أن يؤمن يقدرة الله على الإعادة لأنها أهون واسهل من ناحية الواقع والعقل يؤيد ذلك.

 وكذلك عندما تحدى أحد المشركين رسول الله عليه الصلاة والسلام في مسألة إعادة الحياة للعظام التالفة وهي رميم أجابه القرآن في سورة يس بقوله: (قل يحيها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، فقد رد القرآن عليه بأن العقل يقر بأن من أنشأ الشيء في المرة الأولى يمكنه أن يعيد إنشاءه مرة أخرى ولا عجب في ذلك. وهذا يؤكد الفرق بين الريادة والتكرار.
وهناك الكثير من الأمثلة العقلية التي ضربها القرآن للدلالة على وجود يوم القيامة ويوم للبعث والنشور، ومنها الآيات التي تتحدث عن مراحل تطور الأجنة في بطون أمهاتهم ودلالتها أن البعث لا ريب فيه وغيرها.

ولكن علينا ملاحظة أن هذه الأدلة ليست أدلة عقلية لإثبات يوم القيامة، وإنما كانت قرائن للمشركين ولغيرهم بأن الحياة الأخرى والبعث والنشور والحساب والجزاء ليس أمرا مستحيلا بل هو أمر جائز، وخصوصا لمن آمن بأن الله هو الخالق فلا عجب بأن يؤمن بأن الله قادر على إعادة الخلق والحياة مرة أخرى

فهذه الأدلة هي أدلة تنفي إدعاء المشركين باستحالة وقوع حياة أخرى ويوم آخر، وتثبت في المقابل جواز ذلك من ناحية العقل السليم. وهناك أدلة ترجح جانب حدوث اليوم الآخر على جانب الفناء السرمدي، وهي أدلة عقلية مثل تحقيق العدالة لأنه عدم تحققها هو صفة نقص في الخالق وهذا محال، ولذلك وبما أن الله كامل بصفاته وجب وجود يوم آخر لتحقيق العدالة.

وعليه فإن كلامنا في الأدلة على وجود اليوم الآخر ليست هي أدلة عقلية تثبت بذاتها ويدركها العقل، من مثل استدلالنا على وجود الله وإعجاز القرآن، ولكنها قرائن عقلية تعين في فهم وإدراك معنى اليوم الآخر الذي هو من علم الغيب عند الله، وكذلك هي أدلة تجعل العاقل يرجح الحاجة (نظريا) إلى وجود اليوم الآخر لتتم المحاسبة والعدالة.

فالايمان باليوم الآخر دليله نقلي ويؤيده العقل ولا يمنع من وقوعه. وهذا هو بالضبط الإطار الذي نتكلم فيه عن هذا الموضوع
الفطرة:

بالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه قرائن عقلية على ضرورة وجود يوم آخر بعد الموت تقام فيه موازين الحق والعدل وأن هذا الأمر يتناسب مع الفطرة، ويتوافق مع العقل ، وإني أود أن اضيف أمرا آخر يرشد إلى اليوم الآخر الا وهو حب الخلود وهو جزء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

حب البقاء وكراهية الموت:

خلق الله سبحانه الإنسان وأودع فيه طاقة الحياة ليتحرك ويقوم بأعمال (سلوك) ليشبع هذه الطاقة، وهذه الطاقة الحيوية تتمثل في الحاجات العضوية والغرائز، أما الحاجات العضوية فهي خمس الأكل والشرب والنوم والإخراج والتنفس. وأما الغرائز فثلاث هي حب البقاء والنوع والتدين.

ومعنى غريزة أنها مغروزة في طبائع الإنسان وهي جزء من جبلته وخلقه، ولا يستطيع أحد محو هذه الغريزة أو استئصالها أو كبتها وإنما يكون ذلك لبعض مظاهر هذه الغريزة.

وغريزة حب البقاء لها مجموعة من المظاهر تظهر من خلالها مثل الدفاع عن النفس وحب التملك وتجنب الأخطار وحب الاستطلاع والأثرة (الأنانية) وحب السيادة وغيرها، وكل هذه المظاهر تصب في غريزة حب البقاء، وهي موجودة في الإنسان وباقي المخلوقات الحية، ويقوم الإنسان بأعمال سلوكية معينة لإشباع هذه الغريزة كلها تصب في صالح بقائه كفرد وكإنسان
ودافع غريزة حب البقاء هو سعي الإنسان للبقاء والخلود الفردي والذاتي والتهرب من الموت وكراهيته، وهذه أهم وأقوى غريزة في الإنسان وهي اصلية فيه. ولكن لما كان الله سبحانه قد قهر عباده بالموت، وجعل الموت نهاية كل حي، والموت سنة ربانية لا بد منها فلكل كائن حي نهاية وموت لا فرار منه،

ولكن لما كان هذا الموت وهذه النهاية تصادم غريزة الإنسان التي أودعه الله فيها من حب البقاء وكراهية الموت، فإن هذه الفطرة تدفع الإنسان للبحث عن من يكملها له أي تبحث عمن يسد هذا العجز والنقص والخلل في الحياة،

وعند البحث يتوجه الإنسان إلى الذات الكاملة الأزلية التي لا تموت سعيا لسد نقصه فيستعين بها على التغلب على عجزه، وهذا يستلزم عبادة الله سبحانه الخالق الأزلي (إياك نعبد وإياك نستعين) وذلك لنيل رضوانه وليجبر عجزه وموته بالحياة الخالدة، فيندفع الإنسان لعبادة خالقة الإزلي سعيا وراء الخلود لأنه أدرك أنه ميت وأن حياته قصيرة ولا بد من هذا اليقين المتمثل بالموت في يوم من الأيام طال الزمان أم قصر.

ولما جاء دين الله بالايمان باليوم الآخر وأن الخلود لن يكون في الدنيا بل سيكون في الآخرة، فإن هذا الايمان قد طمأنه وأراح فطرته المتمثلة في غريزة حب البقاء، ذلك أنه سيحقق شعوره هذا بضرورة الخلود في اليوم الآخر، ولكن هذا الخلود الذي يسعى إليه سلاح ذو حدين، فإما خلود في نعيم مقيم أو خلود في جهنم وبئس المصير.

ولذلك فإن سعي الإنسان للخلود في الدار الآخرة التي لا موت فيها يجب أن يرتبط بإحسان عمله في الدنيا كي يرضى الله عنه ويدخله جنة عدن ودار الخلد والسلام والمستقر وأن يزحزحه عن النار دار الخلد في العذاب المقيم والعياذ بالله.

وبالتالي فإن الشعور بالخلود شعور أصيل في فطرة الإنسان وهو من أهم غرائزه التي فطره الله وجبله عليها، ولذلك فهو يكره الموت ولا يطمئن قلبه مع قناعته العقلية بأن الموت هو النهاية، بل يبقى شعور النزوع إلى الخلود يتملكه حتى يغرغر.

وهذا الشعور أو النزعة للخلود المفطورة في الإنسان ينسجم بل يتناسق ويتناغم معها فكرة الايمان بالحياة الخالدة في الآخرة ولذلك كان الايمان باليوم الآخر مما يتوافق مع الفطرة، بل مما لا ترضى الفطرة إلا بوجوده في مكان ما وفي زمان ما.
وكان حل العقدة الكبرى (من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟) لا يؤدي إلى الطمأنينة في قلب الإنسان إلا بالإجابة الصحيحة التي توافق فطرته بأن هناك يوم آخر فيه الخلود.

وهذا الأمر يؤكد المقولة بأن عقيدة الإسلام توافق الفطرة وتقنع العقل.

قال تعالى في سورة البينة (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه )

نسالك اللهم رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في هذه الدنيا، في يوم العرض عليك وخفف عنا في يوم الحساب وأدخلنا الجنة برحمتك يا الله، وأرض عنا يا الله.

والحمد لله رب العالمين.
رابط : http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=6855&pid=33026&st=0&#entry33026

الأربعاء، 13 مارس 2013

من مجلة الوعي : الإسلاميون بين هاجس السلطة والحكم بالإسلام

كلمة الوعي : الإسلاميون بين هاجس السلطة والحكم بالإسلام

ورد في كلمة العدد 314 من مجلة الوعي موضوع في غاية الروعة أحببت أن تطلعوا عليه
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلاميون بين هاجس السلطة والحكم بالإسلام
الإسلاميون والسلطة


يراقب العالم اليوم عن كثب ما يجري في مصر وتونس وليبيا واليمن والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، حيث يحتدم الصراع السياسي على السلطة، وتدخل البلاد في فوضى عارمة، رغم أن الإسلاميين أو دعاة «الإسلام هو الحل» هم من يتبوؤون مقاعد الحكم في جل هذه البلاد إن لم يكن كلها. وبعد أن كان ينتظر الجميع تجسيد نموذج إسلامي ناجح وناجع في الحكم، بتنا نرى استنساخاً لتجارب مشوهة في السلطة، تضرب بالأحكام الشرعية والمعالجات المقطوع بها إسلامياً عرض الحائط، وتحوَّل الإسلاميون من دعاة لتغيير الأوضاع الكارثية المسيطرة على بلادنا ردحاً من الزمن إلى متصارعين على السلطة بدل فرض نموذج شرعي سليم يقدم الإسلام كبديل عن الأنظمة المتهالكة في العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً.
ما من شك بأن الحصول على السلطة هو طريقة أي حزب سياسي لوضع أفكاره موضع التنفيذ على صعيدي الدولة والمجتمع والأمة. رغم هذا، فإن من أعظم الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها أي حزب مبدئي في العالم هو تحوله من حزب حامل للدعوة إلى حزب طالب للسلطة. بمعنى أن تصبح السلطة هاجس الحزب بمعزل عن دعوته وعن المعايير المبدئية التي تفرض عليه منهجاً معيناً للحصول على السلطة، وليس أية سلطة، إنما سلطة يتمكن الحزب بواسطتها تجسيد طريقة عيشه المبدئية في الحياة بحسب تصوراته عن الحياة نفسها.
فهيمنة مثل هذا الهاجس على أي كتلة سياسية، لاسيما بعد طول أمد رحلة الدعوة، ومسيرة العذاب الشاقة، والشعور بالتعب والإرهاق، والحسرة التي تملأ الصدور من تمتع الأراذل بثروات الأمة ومقدراتها، كثيراً ما يدفع إما إلى القعود والتقوقع أو إلى الانحراف تدريجياً عن المبدأ، حيث يقل ابتداء الاهتمام ببحث رؤية المبدأ للعالم وللدولة وللمجتمع وللفرد، على اعتبار أن الاشتغال بالفكر والاستغراق فيه لا يطعم خبزاً، فيكتفى بعموميات، بل قد لا يجد حينئذ كثيرون ضيراً بضرورة تغيير تلك العموميات أو التغاضي عنها، طالما أن الأمر يقتضي ذلك، سيما في حال كانت تلك الرؤية أو ما تفرضه من فكر ومعالجات ينظر إليه على أنه معوِّق عن التمكين أو شاغل عن الحصول على السلطة.


إشكالية اللاهثين

يبدأ اللاهثون على السلطة بالتذرع بأن تصورات المشروع السياسي للكتلة لا خشية عليها، فالأفكار قد رسخت وهي موجودة ومختزنة في العقل الباطن، ولا ضير من سترها حالياً أو ركنها جانباً لحين التمكين، وأن التفكير في أي طريق للحصول على السلطة أولى من التركيز على المنهج المفترض التزامه أثناء السعي للوصول إلى السلطة، فضلاً عن التفكير بتلك المشاريع أو الأحكام أو المعالجات التي ستعتمدها تلك السلطة حين حيازتها. يتوهَّم هؤلاء بأن تطبيق أي مشروع سياسي رهن أن يركب أصحابه السلطة، بغض النظر عن الكيفية التي يحصلون عليها. على فرض أن لدى رجال أمثالهم ما يكفي من خبرة كي يمكروا بأعداء الأمة وقلب موازين السلطة وفرض تصوراتهم عليها وفرض أمر واقع جديد بمجرد تمكنهم منها. وبالتالي فإن الإمساك بزمام السلطة (كيفما تأتى) سيفرض مفاهيم أصحابها المكنونة على الدولة، وستستثمر السلطة حينئذ في تنفيذ كل أفكارهم النبيلة.
على الصعيد النظري، يبدو الكلام منطقياً، إلا أنه ما إن نمحص فيه حتى نجد أنه تنطبق عليه كل قوانين المنطق المغلوط، كلام لا يصدر سوى عن وسوسات إبليس، وأقل ما يمكن أن يقال في مثل هذه الحالة أن السلطة هي التي تمكَّنت منهم لا هم من تمكنوا منها، إذ يصبحون حينها خدماً لمشروع السلطة بدل أن تكون هي خادمة لمشروعهم.


قراءة في المنهج الشرعي

هناك شواهد عديدة تقطع بعدم جواز اعتماد منهج اللاهثين على السلطة، فقد أرسل كفار قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبه بن ربيعة فقال يفاوضه « إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا...» فرفض الرسول كل هذا، رغم حاجته الملحة لتلك السلطة سواء لحماية دعوته وأصحابه أم لإقامة الدين. وعندما وجدت قريش أن الإغراء بالمال والجاه لم يجد سبيلاً مع محمد صلى الله عليه وسلم وأن دعوته مستمرة، طالبوه بالمعجزات حتى يصدقوه كأن يفرِّج عنهم الجبال التي ضيقت عليهم مكة، وأن يفجر لهم فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وأن يحيى آباءهم ومنهم قصي بن كلاب حتى يسألوه إن كان ما جاء به حقاً أم باطلاً، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : «ما أنا بفاعل، ما أنا الذى يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم». وعندما خيروا عمه أبا طالب بين أمرين: إما أن يمنع ابن أخيه عن دعوته، وإما أن يعلنوها حرباً عليه وعلى اىبن أخيه حتى يهلك أحد الفريقين، فنقل للنبي الكريم ذلك قائلاً له: «أبقِ على نفسك وعليَّ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق»، فظن الرسول صلى الله عليه وسلم أن عمه قد تخلى عن نصرته فرد عليه قائلاً: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذه الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته».
لقد رفض صلى الله عليه وسلم التنازل عن دعوته لقاء سلطة أو غيرها من المغريات في مرحلة استضعاف وقهر وحاجة ملحة للنصرة (حتى إنه استعبر عندما استشعر خذلان عمه له)، فقد كان مطارداً، وعشيرته مقاطعة، وأصحابه في محنة وعنت أدى بهم إلى هجرة مكة إلى الحبشة، فيما فاضت أرواح بعض الصحابة إلى بارئها تحت وطأة السياط والتعذيب الشديد.
إلا أن البحث هنا ليس بحثاً لمجرد الوصول إلى حكم شرعي بحظر التخلي عن الدين لقاء مال أو جاه أو ملك تأسياً برفض رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل لا تردد فيه، إذ إن كل هذا للأسف، يتم تجاوزه بجدل ومماحكة ليس محل عرضها أو اعتراضها هنا. فغرضنا هو قراءة خطورة المنزلق الذي يمكن أن يؤدي إليه هذا المسار فيما لو تحقق. والذي كان يكفي تجنبه التزام حكم الشرع الواضح فيه.
فلدى قراءة رفض الرسول الكريم أخذ السلطة بهذا الشكل، يرى المرء بشيء من التدقيق، أنهم كانوا يريدون تحويله عن دعوته، وتطبيق أعرافهم وأحكامهم، ما يعني عملياً انتصار رؤيتهم للحياة وما تفرضه من نظم على أفكار التوحيد ومعتقدات الإسلام، التي تفرض الانقياد لله وحده دون غيره، باتباع شرعه وتطبيقه كما أنزله سبحانه. وبالتالي فإن أي خطوة في هذا الاتجاه ستصيب الدعوة بهزيمة منكرة، وسيقضى عليها بالضربة القاضية، إذ ستنحى الدعوة جانباً لتصبح السلطة والتشبث بها والصراع للحفاظ عليها هو القضية. فغاية المطلوب من عروضهم الشيطانية المغرية، هو كسب هذا الداعية أو تلك الكتلة إلى جانبهم بدل استمرارها في تحدي النظام القائم على الباطل، وبدل العمل الحثيث لتغييره. فهذا منهج احتواء متبع عند كل أصحاب سلطة يلمسون خطراً قادماً من جهة ما يتهددهم، سياسة الاحتواء هذه تأتي عادة بعد فشل سياسة استئصال الخصوم.


واقع السلطة

يجب أن تكون المسألة واضحة هنا، بأن السلطة أي سلطة في العالم، لها مبررات وجود ت ترتبط بخدمة نظام سياسي يلبي تطلعات وطموحات الجهة التي تستند لها فعلياً . وتتوفر لهذه السلطة قوى تحميها في أداء وظيفتها في خدمة هذا النظام وإزالة كل ما يمكن أن يشكل حجر عثرة يمنعها من تنفيذ مهامها أو يهدد استمرار النظام. لذلك فإنه طالما لم يتغير النظام المطبق وتتغير المبررات التي تفرض هذا النظام، ولم تغير القوى الضامنة لاستمراره ولاءها ، فإن الطائل الوحيد من ركوب هذه السلطة من قبل معارضيها يصبح احتواءهم لتدعيم هذا الكيان بأسباب حماية جديدة.

نماذج من سياسة الاحتواء
تصور مثلاً الفرق بين كمال أتاتورك وطيب رجب أردوغان، تصور الفرق بين نظام مبارك ونظام مرسي، نظام واحد بوجهين مختلفين، يكمن الفرق في أن أحدهما ملتحٍ والآخر حليق، أحدهما متديِّن والآخر عدوٌّ للدين، لكن كلاًّ منهما يطبق نفس الأنظمة ويسير في نفس الاتجاه. وتتم عملية الاختيار والمفاضلة بين هذا وذاك في واقع الحال من قبل صاحب القرار الفعلي في تسيير شؤون الدولة على أساس الأكثر مناسبة لأداء المهمة المطلوبة، فهذا أردوغان وذاك مرسي باتا مطلباً لا غنى عنه في هذه المرحلة، بمعنى لو جئت بأتاتورك من قبره كحاكم لتركيا أو حافظت على مبارك كرئيس لمصر لم يكن بإمكان أي منهما متابعة سياسات الشيطان التي يطبقانها على العباد، ولا أمكنهما الاستمرار في خدمة الأقطاب الدولية المرتبطين بها. فقد تغيرت البيئة الاجتماعية
والسياسية والثقافية ما يفرض الحاجة إلى أشكال جديدة تناسب هذا الواقع.ولهذا أتي بالشيخ أحمد معاذ الخطيب من الصفوف الخلفية للمعارضة ليقود الائتلاف الوطني، بعد أن أدركت القوى الدولية أن برهان غليون وجورج صبرة وأمثالهما من اليساريين والعلمانيين لا يفيان بالغرض. فالقوى التي تسير على الأرض إسلامية، والأفكار التي تؤجج مشاعر الناس وتؤثر بالرأي العام إسلامية؛ لذلك كان لا بد من شيخ يلقى القبول عند الناس عسى أن يتمكن من احتواء التيار السائد وحرفه عن مساره. فليس أشد فاعلية من محاربة الدين باسم الدين، سيراً على قاعدة «لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ».
«فالإسلام العصري» المصنف بالمعتدل والوسطي الذي يغلِّب الشكل على المضمون، من متطلبات المرحلة الحالية لاستمرار نفس الأنظمة القديمة، وضمان أصحاب النفوذ بقاء السلطة في خدمة مصالحهم.
وقراءة بسيطة للتاريخ المعاصر يؤكد الحقيقة التي ذكرنا، والتي تفيد بأن اللهاث وراء السلطة واعتبارها غاية تهون كل الأمور بعد الحصول عليها هي دعوة ساقطة ولا تتعدى كونها أراجيف وأوهام. فالأمر ليس رهن الوصول إلى السلطة فقط، لأن وجود الأشخاص المؤهلين في المواقع الهامة والحساسة من غير تطبيق للنظام الصحيح سيعني ضم هذه الكفاءات لتطبيق النظام العليل المتعفن، مما يعني أن هؤلاء سينتقلون من معسكر الثورة على النظام إلى معسكر صيانة النظام، وبالتالي يقوي شوكته بوجه الآخرين ويطيل عمره . وتصبح مفاهيمهم ونضالاتهم ومواقفهم المبدئية السابقة حينها مجرد قصص يسطرونها في مذكراتهم الشخصية حين يتقاعدون. لقد جاء هؤلاء برضى قوى السلطة العاملة على ضمان استمرار النظام السياسي، والتي تبقي هؤلاء تحت المجهر بالضرورة لأنها لا تأمن لهم، وفي أي لحظة تستشعر منهم الخطر ستتخذ منهم موقفاً آخر، فأية مبادئ وأفكار وأحكام لا تنسجم مع طبيعة النظام تظهر بسرعة وتعتبر انقلاباً على صفقة ركوب السلطة، ما يعني إن حصل، قيام قوى السلطة بإجراءات حجر وتصفية لكل هؤلاء.
خذ مثلاً على ما سبق الإسلاميين في العراق، الذين تبوؤوا كل مراكز السلطة في بغداد بعد الاحتلال، وساروا في ركاب الغرب، بذريعة أننا نمكر به ثم ننقلب عليه، وإذا بهم يتحولون جميعاً لأدوات ترسخ مشاريع الاحتلال بأبشع شكل ممكن، حتى إن معارضي صدام بدؤوا يصفونهم بأنهم أشد شراً منه. ومن الجدير ذكره أن جل هؤلاء إن لم يكن كلهم من المعارضين في حزب الدعوة والحزب الإسلامي وغيرهما من الأحزاب قدموا فعلاً تضحيات جسام بوجه نظام صدام حسين البعثي، تحت عنوان حكم الإسلام.
وفي تونس نفس مسلسل ونفس منطق ونفس واقع مرسي وأردوغان. لقد تحولوا جميعاً من أحزاب تدعي حمل رسالة للبشرية إلى أحزاب منشغلة في صراع وسباق محموم على الهيمنة على السلطة، تلك السلطات التي كادت أن تفقد في لحظة تاريخية نادرة كل مبررات وجودها، وكانت بحاجة إلى ضربة عاجلة لفرض واقع جديد على أنقاضها، وإذا بهؤلاء يقدمون خدمة جليلة لخصوم تاريخيين وعقائديين، فيضفون على تلك الأنظمة والسلطة التي تسندها مسحة من الشرعية بعد ثورات عمت منطقة يسود فيها الانتماء للإسلام والشغف لرؤيته حياً من جديد.


هاجس السلطة مرض عضال

لذلك نقول إن تحول طلب السلطة إلى هاجس بحد ذاته، هو مرض عضال، يعمي القلب ويمكن الأعداء من تسخير أصحاب هذا الهاجس بيسر، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، ولذلك فإن السعي للمشاركة في الحكم المناقض للمبدأ او ركوب سلطة من هذا النوع هو ضربة قاسية لذلك المبدأ ويحول أتباعه لخصوم له. وينطبق هذا الأمر على كل من يصبح همه وهاجسه ومعبوده السلطة مسلماً كان أو غير ذلك. خذ مثلا منظمة التحرير التي بنت منهجها على أخذ قطعة من فلسطين مهما كان حجمها، لإقامة دولة تتوسع اضطراداً فتفرض أمراً واقعاً جديداً بالتتالي، وإذا بها تسلم بـ «إسرائيل» بشكل نهائي وأبدي وتحارب كل من يعمل على المس بها، بل وتعتبر أن العمل على تغيير هذا الواقع هو تقويض لسلطتها، وهذا صحيح لأن سلطتها مركبة لخدمة الاحتلال فكرة وكياناً وتمويلاً وثقافة بموجب اتفاقات ومعاهدات وترتيبات تفرض على هذا النموذج المسخ أن لا يخرج عن هذه الوظيفة.
خذ مثلاً آخر الجنرال عون، الذي خاض «معركة تحرير» ضد النظام السوري ونفي بعد هزيمته إلى فرنسا، وإذا به يعود إلى لبنان عبر صفقة حولته بين ليلة وضحاها من عدوٍّ لدود للنظام السوري إلى مُنظِّر لذاك النظام داعياً إلى مناصرته في وجه الثورة التي هبت بوجهه. باختصار لقد ركب السلطة بشروط النظام السوري، ولا يستطيع أن يستمر إلا بهذه الشروط، ولذلك تحوَّل من خصم يحاولون قتله، إلى ولي حميم يحافظون عليه من أي أذى لأهمية دوره في حفظ نظامهم.


واقع العمل السياسي

يجب التنبه إلى أن أي عمل سياسي في الدنيا يبتغي تحقيق أهداف معينة، يسعى القائمون عليها مراقبة ومتابعة كل ما يؤثر فيها كي يحققوا غاياتهم هم، ويقطفوا ثمار ما اجتهدوا لأجله، لذلك توجب أن يخضع العمل السياسي لثقافة تصقله بالمبدأ ورؤية تؤطره بما يحميه من الانزلاق في مؤامرات الآخرين ومخططاتهم، وإلا أصبح العمل السياسي هوساً وعبثاً وهلوسة ينزع صاحبه إلى الكرسي بكل وسيلة، مما يسهل تبني أجندة الخصوم، ويسوغ التنازل تلو الآخر بذريعة التذاكي والمكر بالأعداء كما يمكرون بنا، فيما هو في الواقع يتنكر لدينه ومبدئه وقيمه، ويجيِّر قواه وقوى من يوالونه لصالح أعدائه.
لذلك كله، فإننا عندما نتحدث عن هاجس السلطة وعن التحذير من هيمنته على منهج العاملين للإسلام، فإننا نحاول أن نستدرك مصيرية الثبات على منهج الله، وضرورة الحفاظ على الدعوة نقية من كل شائبة، واستمرارها سليمة ومستقيمة، وعلى التمعن بالطريقة التي تنقل السلطة فعلياً إلى أصحاب المبدأ لا العكس. لأنه إن حصل وتسرَّب إلى عقول وقلوب حملة الدعوة هاجس حيازة السلطة، سيكون من نتائجه إهمال كثير من قضايا الدعوة، وسيصبح معيار الصواب من الخطأ حينها مدى الاقتراب من كرسي الحكم أو البعد عنه، لا مدى تجذر الدعوة ووضوحها في الأمة وقدرتها على فرض نفسها في المجتمع والدولة من خلال قواها الذاتية، التي حينها تحرص على تحكيم نظام الإسلام وعرضه كما هو،كبديل شامل لكل الأنظمة الباطلة التي تسود هذا العالم.



الرابط: http://www.al-waie.o...d=1206_0_91_0_C

والسلام عليكم ورحمة الله

الخميس، 28 فبراير 2013

سقوط دعوى المساواة بين الرجال والنساء (3)

بسم الله الرحمن الرحيم


سقوط دعوى المساواة بين الرجال والنساء (3)

السلام عليكم

 كنت أقرأ في موسوعة الويكيبديا تحت عنوان الرأسمالية:

فقرأت ما يلي:

إن المذهب الطبيعي الذي هو أساس الرأسمالية يدعو إلى أمور منها: -

الحياة الاقتصادية تخضع لنظام طبيعي ليس من وضع أحد حيث يحقق بهذه الصفة نمواً للحياة وتقدماً تلقائياً لها.

- يدعو إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وأن تقصر مهمتها على حماية الأفراد والأموال والمحافظة على الأمن والدفاع عن البلاد.

- الحرية الاقتصادية لكل فرد حيث إن له الحق في ممارسة واختيار العمل الذي يلائمه وقد عبروا عن ذلك بالمبدأ المشهور: "دعه يعمل دعه يمر".

- إن إيمان الرأسمالية بالحرية الواسعة أدى إلى فوضى في الاعتقاد وفي السلوك مما تولدت عنه هذه الصراعات الغربية التي تجتاح العالم معبرة عن الضياع الفكري والخواء الروحي.

- إن انخفاض الأجور وشدة الطلب على الأيدي العاملة دفع الأسرة لأن يعمل كل أفرادها مما أدى إلى تفكك عرى الأسرة وانحلال الروابط الاجتماعية فيما بينها.

- من أهم آراء سميث أن نمو الحياة الاقتصادية وتقدمها وازدهارها إنما يتوقف على الحرية الاقتصادية. - وتتمثل هذه الحرية في نظره بما يلي:

- الحرية الفردية التي تتيح للإِنسان حرية اختيار عمله الذي يتفق مع استعداداته ويحقق له الدخل المطلوب.

- الحرية التجارية التي يتم فيها الإِنتاج والتداول والتوزيع في جو من المنافسة الحرة.

- يرى الرأسماليون بأن الحرية ضرورية للفرد من أجل تحقيق التوافق بينه وبين المجتمع، ولأنها قوة دافعة للإِنتاج، لكونها حقاً إنسانياً يعبر عن الكرامة البشرية.


 
وأود أن أذكر تعقيب التالي على ذلك فيما يتعلق بموضوع دعوى المساواة بين الرجال والنساء

يدعو المذهب الطبيعي في الرأسمالية إلى أمور منها: - إن انخفاض الأجور وشدة الطلب على الأيدي العاملة دفع الأسرة لأن يعمل كل أفرادها مما أدى إلى تفكك عرى الأسرة وانحلال الروابط الاجتماعية فيما بينها.

هذا هو سر الدعوة إلى المساواة بين الرجال والنساء فهي ليست لأجل المساواة، بل بدافع راسمالي ليعمل كل أفراد الأسرة بسبب انخفاض الأجور وشدة الطلب على الأيدي العاملة في النظام الرأسمالي. وذلك بإخراج النساء والأطفال للعمل حتى يتيسر للأسرة العيش، ولما وجدوا مشاكل كثيرة ناتجة عن عمالة الأطفال ظهرت دعوات لتجريم عمالة الأطفال وملاحقة من يقوم بذلك ويسهله.

فهذا هو سر الأمر والترابط بينها من زاوية رأسمالية ولكن آثاره تجاوزت ذلك فقد تفككت عرى الأسرة وانحلت الروابط الاجتماعية عند الغرب بسبب هذه النظرة.

ويتم التركيز على المجتمعات الإسلامية حاليا بهدف إخراج المرأة من بيتها للعمل، لأن هذه المجتمعات ما زالت تنظر لدور المرأة بأنها أم وربة بيت وأن الانفاق واجب على الزوج لزوجته، وأنه ليس من واجبها العمل وإعالة الأسرة، فيريدون أن يغيروا هذه النظرة للمرأة  تحت غطاء دعوى المساواة وبدعوى انها شريكة للرجل وتنفق على البيت مثلها مثل الرجل، ولأنها يجب أن تتمتع بنفس الحقوق والواجبات حسب الشرائع الدولية واتفاقية سيداو الذي وقعت عليها الأنظمة الحاكمة في معظم بلاد المسلمين.

فالدافع لدعوة المساواة هو دافع نفعي اقتصادي مصلحي أناني نابع من النظرة الرأسمالية للاقتصاد، حيث تميل الشركات الراسمالية والمصانع إلى تشغيل ايدي عاملة كثيرة لزيادة الانتاج وفي نفس الوقت تستفيد هذه الشركات بأن تدفع لهم أجورا منخفضة، وهذا يلائم تشغيل النساء والأطفال حيث تعطى لهم أجورا منخفضة بدل أعمالهم

فأية نظرة هذه التي يدعون لها (تحت غطاء المساواة) إنها حقا لنظرة منخفضة منحطة تنزل بالإنسان إلى اسفل دركات العبودية للنظام الرأسمالي ولكنهم –كعادتهم في النفاق- يغلفون ذلك ويزينونه بدعاوى باطلة ليغتر بها أصحاب العقول الضعيفة والمضبوعون بالثقافة الغربية فيقبلون بهذه المفاهيم الخطرة المخالفة لأحاكم الإسلام في نظرته الراقية للتعاون والتكامل بين الرجال والنساء وفلسفته في الاقتصاد وفي العمل وبذل الجهد وتوزيع الثروة .

الحمد لله الذي هدانا لهذا الإسلام وما كنا أن نهتدي لولا أن هدانا الله