الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ايها الإخوة
يفضل عند الاطلاع وقراءة من يكتب في الثقافة الإسلامية الانتباه إلى الخلفية الفكرية للكاتب فذلك يعين في فهم منهجية الكتابة والبحث، وكذلك يمكن رؤية الخلاصة التي يرمي إليها الباحث، والأهم تشخيص الخلل والزيغ.
وهناك بعض الكتاب يكتبون ويطعنون في غيرهم ومنهم أتباع المدرسة السلفية، وهذه المدرسة السلفية لها خصائصها ومنهجيتها في الحكم على الأشخاص والأفكار، ومهما حاول الكاتب أن يكون نزيها فإنه سيقع في أخطاء منهجية نابعة من طريقة تفكيره المستندة للمنهجية الفكرية لمدرسته السلفية
هذه المدرسة السلفية هي امتداد لمدرسة أهل الأثر التي تركز على النصوص والآثار وتكره القياس والرأي، وكل هذا لا مشكلة فيه ابتداء، لكن هذه المدرسة تأثرت بمنهجية ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهي مدرسة تجذرت فيها الرؤية الحرفية الظاهرية لنصوص الشريعة، ومن أهم مرتكزات هذه المدرسة ما يلي:
·        في الفقه: هم اتباع مدرسة الأثر والإمام أحمد بن حنبل
وترتكز في الفقه على ما يلي:
- الاعتماد على النصوص الشرعية من كتاب وسنة أولا
- الاعتماد بعد ذلك على فتاوى الصحابة
- التخير من أقوال الصحابة إذا اختلفوا وعدم الجزم إذا لم يتبين الراجح
- الأخذ بالحديث الضعيف (والحسن) وهو عندهم أولى من القياس
- القياس للضرورة فقط
- التوقف عن الرأي إذا تعارضت الأدلة
ومما يتميزون به التوسع غير المبرر في مفهوم البدعة وإشعال المسلمين في الخلافات الفقهية البسطية وترك كبرى مشكلات المسلمين السياسية والاقتصادية للحكام يتصرفوا بها كما يشاؤون من غير وجود راي شرعي في القضايا الكبرى إلا وفق ما يأمر بها الحكام علماء السلاطين من أتباع هؤلاء.
·        في السلوك العملي: يعرف عنهم التشدد وعدم قبول رأي المخالف
هناك مشكلة تاريخية مع هذه المدرسة التي تكونت في القرن الرابع الهجري في بغداد، حيث كان أتباع الإمام احمد بن حنبل ذوي كثرة وغلبة، فاستغلوا قوتهم في مناصرة مذهبهم وأصبحوا يتعرضون بالعنف للناس في كل ما يرونه مخالفا للشرع. وتعدوا ذلك إلى مقاومة الشافعية ببغداد والإسراف في أذاهم حتى أحدثوا في بغداد شغبا آلم الناس، وهذا المظهر من اتياع الإمام أحمد والتشدد سبب في نفرة الناس منهم.
وهذه السمعة عن حفاف الحنابلة باقية حتى اليوم عند العوام (لا تكون حنبلي) ولم يكن له في تاريخ المسملين اتباع حتى تبنت مذهبهم الدولة السعودية، وعندها منعوا تدريس جميع المذاهب الإسلامية المخالفة في دولتهم.
·        في العقيدة وعلم أصول الفقه:
المشكلة تحصل عندما يدخل اتباع هذه المدرسة للكلام في العقيدة وأصول الفقه، فتراهم يتخبطون ويتناقضون، فهم ليسوا من أهل علم الكلام ولا من أهل علم أصول الفقه بل هم من أهل الحديث والأثر. ولذلك لا يملكون أدوات الخوض في هذين الأمرين.
ففي العقيدة ضيقوا على الناس الاختلاف في متعلقات العقيدة من الظنيات وأخرجوا الكثير من المسلمين من دائرة الايمان لمجرد الاختلاف معهم في الظنيات كتكفير الصوفية والمعتزلة والشيعة جملة
وكذلك هم ادخلوا الظني في العقيدة بخلاف جمهور علماء المسلمين مثل قولهم بحجية خبر الواحد في العقيدة
وهناك مشكلة في فهم النصوص الشرعية لديهم فيما يتعلق بنفي المجاز في القرآن والأخذ بظواهر النصوص المتشابهة المتعلقة بصفات الله ولذلك يلحقهم بعض العلماء بالمجسمة والمشبهة والحشوية
إدخال العقيدة في الاحكام الشرعية وخلط بينهما بشكل غير صحيح وعدم التمييز بين دليل العقيدة والأصول وبين دليل الفروع.
هذه المدرسة تركز في الفقه وعلم أصول الفقه وفي العقيدة على الأشخاص ومن هو قائل القول لا على فحوى القول، فالمناقشة معهم لا تكون في الأدلة الشرعية والأصولية ولكن في ما يسمونه "فهم السلف" وخصوصا أقوال علماء الحنابلة لا غيرهم.
وهناك مشكلة لديهم في الاقتباس والنقل من اقوال الآخرين، وتقويلهم أحيانا ما لم يقولوا وإلزام الآخرين بمقتضيات لم يقولوها رأوها هم لازمة لقول القائل بالظن وشنعوا على المخالفين بسببها.
·        السياسة والاقتصاد:
يحكم أتباع المدرسة السلفية الوهابية على الشخص الحاكم لا على نظام الحكم ولا شخص القاضي لا على قانون القضاء فلا يهم أن يكون الحاكم يحكم بغير ما أنزل الله ما دام هو كشخص فرد مسلم يقوم بالفروض الشرعية
في العادة لا يتدخلون في أمور الحكم والسياسة وأمور المال (الفصل بين الدين والسياسة والاقتصاد) فهم يتركونها جملة للحكام ويبررون ذلك بأمور يرونها تخدم منهجهم مثل وجوب طاعة أولي الأمر وينكرون على الناس محاسبة الحكام أو النصح لهم علانية أو الخروج عليهم مهما فعلوا.
وغير ذلك الكثير من الأمور التي تميز هذه المدرسة
منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (2)
دواعي ظهور المنهج السلفي:
مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى هو منهج ينتمي إلى مدرسة الأثر والحديث في مقابل مدرسة الرأي وعلى رأسها الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
والمنهج السلفي الحنبلي قام كرد فعل لما شاع في فترة الخلافة العباسية من أفكار تتعلق بالعقيدة مثل خلق القرآن وكلام الله وصفات الله والقضاء والقدر وعلم الكلام عموما، فالمنهج قام أصلا لمواجهة مدرسة الرأي ومواجهة منهج متكلمي المعتزلة الذين كان للعقل والتأويل شأن عظيم في فهمهم للإسلام، وأدى منهج المعتزلة هذا إلى انحراف فكري في فهم النصوص الشرعية.
فقام منهج المدرسة الحنبلية السلفية على الفهم الحرفي النصوصي (مدرسة الأثر)، وأساس هذا المنهج هو الاعتماد على النصوص والمأثورات في مواجهة منهج التأويل، حتى قال بعض اتباع الحنابلة أن التأويل هو الذي أفسد سائر الأديان وحولها عن الاستقامة والسداد.
فاعتبر أتباع المنهج السلفي أن أساس سوء الفهم والزيغ هو التأويل، وكان الرد الطبيعي والحل لهذه المشكلة هو برفض التأويل والرأي والاعتماد على النصوص والمأثورات.
المنهج النصوصي
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يفتي بالحكمين المختلفين لأن لديه مأثورين مختلفين في الموضوع عن الصحابة، ويروى عن الإمام أحمد قوله : "الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي".
لذلك فاعتماد مدرسة الأثر على النصوص والمأثورات وموقفهم من القياس والرأي، لم يكن نتيجة استقراء الشريعة وفهم خاص لها ابتداء، فهو ليس منهجا مؤسسا على أسس من فهم الشريعة اعتمادا على طريقة خاصة استنبطت من القرآن الكريم وطريقته في فهم الأشياء والاستدلال بالأدلة، ولكن هذا المنهج كان رد فعل على مشكلة حدثت في العصر العباسي من تجاوز المعتزلة والمتكلمين لمسائل تتعلق بالعقيدة، و من إكبار العقل وتأويل النصوص مما دفع الحنابلة إلى التشدد في رفض هذا المنهج وبناء منهجهم على أسس تخالف كل ذلك.
لذلك استقر منهجهم على الوقوف عند ظواهر النصوص والآثار، ورفض أن يعمل فيها بالاجتهاد أو القياس أو التأويل حتى عندما تتعارض وتتناقض هذه النصوص والمأثورات ومضامينها. لذلك يروى عنهم قاعدة "لا اجتهاد في مورد النص"
أبحاث العقيدة:
المدرسة السلفية ليست فرقة في العقيدة ابتداء كالمعتزلة أو الأشاعرة "أهل السنة" أو الماتوريدية أو الجبرية أو غير ذلك. بل هم مدرسة في الفقه، وتعتمد هذه المدرسة على الأثر، فهم يعتبرون أهل حديث أكثر من كونهم فقهاء، وجل اهتمامهم يتمحور حول جمع الأحاديث الآثار وتخريجها واهتمامهم بالرواة والأسانيد وعلوم الحديث عموما.
ولكن منهجهم هذا الذي قام كرد فعل على المناهج الأخرى في المجتمع العباسي وخصوصا أهل الرأي والمتكلمين عموما، اضطرهم للخوض في مسائل اعتقادية وأصولية بشكل متقطع وردات أفعال وغير منهجي، فليس من أبحاثهم ابتداء مسائل الاعتقاد وأصول الفقه وأن دخلوا فيها لاحقا، فلا تجد ابتداء عند أهل الحديث أبحاث القطعي والظني والآحاد والمتواتر والرواية والدراية.
فمثلا علماء السلفية على غير مناهج باقي علماء المسلمين ومذاهبهم لا يشترطون في النصوص الدالة على أمور اعتقادية أن تكون متواترة ويقبلون الإلزام في هذا الباب بأحاديث الآحاد ، كذلك يرى علماء السلفية منع إعمال الرأي في النصوص بصرف النظر عن قطعية دلالتها وقطعية ثبوتها
ويقولون "إن الشريعة لم تحوجنا إلى قياس قط وإن فيها غنية عن كل رأي وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها..."
وهذا -كما ترى- جرهم إلى الكثير من الإشكالات كالأقوال المتناقضة في المناسبات المختلفة ورفض التأويل جملة، وإنكار المجاز في القرآن فقط لإغلاق الباب على المعتزلة والمتكلمين لأجل رفض تأويل المتشابه من القرآن المتعلق بصفات الله.
ولأنهم ليسوا من أهل علم الكلام وعلم أصول دين فلم يفرقوا بين أدلة العقائد وأدلة الفقه، والدليل القطعي والظني، والعقل والنقل، وهذا الأمر أوقعهم في تناقضات وإشكالات مما دعاهم للتوفيق ما بينها كالأدلة العقلية والنقلية وهذا أوقعهم في إشكاليات أخرى كبيرة، لذلك ترى في أبحاثهم التناقض في أدلة العقيدة، حتى في مسألة من اختصاص العقل كالاستدلال على وجود الله فقد جعلها ابن تيمية مرة مسألة نقلية وليست عقلية، ومرة أخرى قال بما يناقض ذلك ويخالفه واعتبرها بأنها مسألة عقلية، ومثلا هو يقر بخلق العالم ثم يردف بالقول بقدم العالم بالنوع وهذا التناقض عجيب.
تقديم كلام السلف على الخلف:
وهذا المنهج النصوصي في التعامل مع النص والمأثور اضفى شيئا من القداسة على النصوص وامتد ذلك إلى العصر الذي قيلت فيه النصوص، وتعظيم الماضي خصوصا كلما اقتربنا من زمن الصحابة. وقد تأثر أهل السلف من الحنابلة بذلك فدفعهم إلى تقديم كلام وعلوم المتقدمين على المتأخرين وتقديم كلام التابعين على تابعي التابعين، وكلام الصحابة على كلام التابعين وهكذا
والتقديم للكلام لم يكن بسبب قوة الدليل أو قوة الفهم والاستنباط بل لسبب واحد هو "الزمن" أي القرب من عصر الصحابة، فالمعيار إذن هو الزمن الذي قيلت فيه والأشخاص الذين قالوه (شخصنة المقولات). وهذا أمر مشهور في منهجهم.
تعاملهم مع المخالفين:
طريقة التعامل الحنابلة والسلفيين مع المخالفين ليست كطريقة الشافعي رحمه الله وغيره من العلماء ، فالشافعي رحمه الله يقول: "رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطا يحتمل الصواب" أما لسان حال الحنابلة فهو راينا صواب لا يحتمل الخطأ، ولذلك تراهم يعتبرون قنوت الشافعي في صلاة الفجر بدعة وينكرون على اتباع مذهب الشافعي قنوتهم في صلاة الفجر ويصل بهم الحد من الإنكار إلى المنع بالقوة، وكذلك في مسألة المسح على الخفين وضرب مخالفيهم بالنعال وغير ذلك من المسائل.
فهذه الطريقة في التعامل مع الاختلاف الفقهي في الفروع الظنية، لا ترى فيها فهما جميلا لأصول الخلاف وأدب الاختلاف، فيظهر لك بأن الحنبلي أو السلفي وكأنه يتعامل مع فجرة أو كفرة، ولا يظهر في التعامل مع المخالفين أثر أخوة الإسلام ولا الرحمة، بل ترى القسوة والجلافة خلافا لقول الله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين(المائدة 54) وهذه عادة دعاة السلفية الوهابية غفر الله لنا لهم
والأدهى من هذا الأمر هو بدعتهم وتعمدهم بتقسيم المسلمين إلى فرق وشيع وطوائف من معتزلة ومرجئة وقدرية وشيعة وأهل سنة وجهمية ورافضة ومتصوفة ...الخ، وهذا أمر خطير فيه إشاعة للطائفية بين المسلمين بشكل مقيت، ويمكِّن الكفار من استغلاله أبشع استغلال كما رأينا سابقا في العراق ونراه حاليا ذلك في سوريا وايران ولبنان.
وطبعا إذا كنت سلفيا وأردت أن تعدم شخصا أو حزبا أو هيئة ما، فقط عليك أن تصنفه في خانة ما بذكر أنه من المعتزلة أو المرجئة أو الجهمية ... فهذا يكفي لحرقه وإهدار دمه وتكفيره. اللهم سلمنا يا الله من الفتن وأسلنة الطاعنين.
وكذلك مسألة الفرقة الناجية وافتراق أمة محمد إلى بضع وسبعين فرقة كما افترق اليهود والنصارى حسب ما ورد في بعض الأحاديث، وأنهم هم الفرقة الناجية من المسلمين، ولذلك يخرجون اتباع غيرهم من الفرقة الناجية، مع أن غالبية الفقهاء والعلماء يعتبرون جميع المذاهب الإسلامية من شافعية وحنابلة وأحناف ومالكية، وكذلك الفرق العقائدية من أهل سنة (أشاعرة وماتوريدية) ومعتزلة وزيدية وجعفرية من الفرقة الناجية وليس كل واحد من هؤلاء فرقة غير الأخرى.
هذه الخطوط العريضة -في رأيي – أهم ما يميز اتباع المدرسة السلفية والوهابية من أصول مشتركة، وقد تجد فيهم من يخالف في بعض الأمور بعدما درس وتبين له رأيا آخر، ولكنهم في الأغلب الأعم يسيرون على هذا المنهاج.
ندعو الله للمسلمين جميعا بالهداية والرشاد فهم سيبقوا إخواننا وأهلنا وأبناء أمتنا الإسلامية الواحدة، وإن بغوا علينا ولم يتحملوا خلافا فقهيا أو أصوليا ما بيننا وبينهم،.فنرجوا منهم أن يوسعوا صدورهم للخلاف وأن يترفعوا عن الشتم والتهم ذات القوالب الجاهزة ، وتقسيم الناس إلى فرق وطوائف وأسماء مضى عليها قرون وانتهت، وهم يريدون إحياءها جبرا وكأننا ما زلنا نعيش في زمن ابن تيمية،
ونسوا أن الدنيا قد تغيرت وأن الإسلام في خطر عظيم وأن المسلمين هدمت دولتهم وخلافتهم، وأنهم ابتلوا بأفكار كفر مختلفة عن زمن ابن تيمية من أفكار الشيوعية والاشتراكية والعلمانية والرأسمالية والوجودية والوطنية والقومية وابتلوا بحكام ضرار سموا انفسهم ملوكا ورؤساء وسموا دولهم أما مملكة أو جمهورية أو إمارة أو سلطنة وكل ذلك مما لم ينزل الله به سلطانا.
منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (3)

فيما يتعلق بما كتبناه حول السلفية، وجب الانتباه إلى أننا لم نقصد التعرض لكل شخص وكل فكرة قال بها أحد السلفيين للرد عليها وتفنيدها إن كانت مجانبة للصواب، إنما المقصود هو وضع خطوط عريضة عن طريقة ومنهجية البحث والتفكير عند أتباع السلفية.
فنحن لسنا معنيين هنا بالرد على ما قاله ابن تيمية في ما يتعلق بصفات الله ولا التعرض لما ذكره محمد بن عبد الوهاب للنواقض العشرة للتوحيد ورايه في الولاء والبراء، ولا معنيون بالجامية ولا بالسرورية ولا بالسلفية الجهادية.
العناية تنصب هنا على تبيان منهجية في التفكير والبحث لدى السلفيين عموما كخطوط عريضة، فهم ليسوا مدرسة موحدة ولا متجانسة فكريا ولا سياسيا، وليس لهم تبنيات واضحة محددة ولا طريقة في العمل والإصلاح، وهم ليسوا حزبا سياسيا ولا جماعة منظمة، وإنما هناك شيوخ واتباع وتيار عام يسمى سلفية لذلك تجد عندهم اختلافات وتناقضات فكرية وفقهية وسياسية واقتصادية وغير ذلك.
ما أردنا التركيز عليه في منهجية السفيين فهم الخلفية الفكرية التاريخية لأفكارهم وآرائهم ومنهجيتهم، وهذا يساعدنا في تفكيك وتفسير سبب تشددهم وتشنيعهم على الآراء المخالفة لهم ورمي غيرهم وبكل سهولة بالاعتزال والإرجاء والخروج مما يعني القدح في الأشخاص والهيئات والأحزاب دون وجه حق.
فتراهم يذكرون لغيرهم أوصافا مقيتة مثل الانحراف والاضطراب الشديد والابتداع (وهذا قول بدعيّ شنيع) والأخطاء العقدية والخروج من دائرة الإسلام والغلو ثم الكلام بصيغة المجهول أحيانا وبضمير الغائب والبعيد أحيانا أخرى مما يوحي للقارئ بشكل نفسي وغير مباشر أن ذلك المذكور "أدناه" ذو شناعة وقذارة وسوء أخلاق وسوء فهم وسوء رأي وفكر وبالتالي فلا يؤخذ منه دين ولا فقه ووجب اعتزاله ومنعه من الفتيا والكلام وإلا فالضرب به أولى.
وكذلك ينسبون إلى انفسهم إدعاء الحق الذي لا مرية فيه، وأنهم هم أهل السنة فقط وأن كل من خالفهم ليس من أتباع الفرقة الناجية، فيرمون من خالفهم بانهم معتزلة وجبرية ومرجئة وخوارج وقدرية ورافضة وغير ذلك من الأوصاف التي توحي بالاستقذار والنفي والطرد للمخالفين.
كل هذا الطعن والغمز واللمز نرى أنه مما يخالف فقه الإسلام في التعامل مع المسلمين المخالفين في الفروع والتعامل مع الآراء الشرعية المختلفة (أشداء على الكفار رحماء بينهم) فغياب الرحمة وأدب في تعاملهم مع المسلمين له أسباب أردنا وضع الاصبع عليها.
ومما يحز في النفس كثيرا هو عدم النزاهة العلمية في النقل عن المخالفين أو الافتراء عليهم أو تقويلهم ما لم يقولوه أو الفهم الغريب للكلام ثم البناء عليه والرد بالتشنيع والتغليط. ولله در القائل للقاعدة الذهبية (أن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدعيا فالدليل).
ومن الطبيعي أن يحمل هذه الآراء اتباع هؤلاء المشايخ دون رجوع للمصادر الأصلية ودون روية ولا انعام نظر، ثم يرمونك بأبشع التهم، مما يولد لديهم ولدى من يستمع إليهم أحقادا وغلا للذين آمنوا وهذا مما يؤسف له حقا، فلو ناقشوك بشكل علمي منهجي يظهر فيه أدب الإسلام في الاختلاف والالتزام بالأحكام الشرعية لكان خيرا لهم، فندعو الله لنا ولهم بالهداية وأن يكونوا ذوي رحمة بالمؤمنين وأن لا يجعل في صدور الجميع غلا للذين آمنوا.
وبناء على هذا المنهجية المذكورة أعلاه، تستطيع فهم كيفية ومنهجية تعامل اتباع المدرسة السلفية في البحث ومناقشة الغير، وتفهم سر هذا التشدد والشطط في التعامل مع المخالفين، وبالتالي تعذر أصحاب المثل الشعبي القائل (لا تكون حنبلي).
والله الموفق وعليه التكلان.
منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (4)

 
لذلك فهذا الكلام ليس ردا على أي شخص بل هو توضيح لمنهجين مختلفين ، منهج سلفي فيه من سوء فهم الإسلام ما فيه، ومنهج آخر قام لإحسان سوء الفهم هذا ورسم الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج. ونحن ندرك ان اتباع أي منهج  يناقش من خلال منهجه ولا يخرج عنه، لذلك فهو غير نزيه في قوله بأنه يناقش بتجرد فهو غير أهل لذلك بسبب تبعيته غير المستنيرة لغيره من السابقين من الحنابلة ومن السلفيين والخلفيين.
فلا يجدر به أن يعيب على غيره اتباعه منهجا آخر في الفهم لأنه يعيب على نفسه أولا، فالكل منا ومن غيرنا له منهج يتبعه ولكل منهج منظروه وعلماؤه ومفكروه، وليس هناك منهج يناقش بحيادية مجرده، ومن يدعي ذلك فادعاؤه فج وغير مؤسس على قواعد سليمة اللهم إلا الوهم، بل لكل منهج علمي أو فكري أسس يعتمد عليها، ومن ناقش بغير أساس فهو واهم وضائع.
وأنا أريد هنا أن أوضح فقط الخطأ المنهجي الذي يقع فيه من يناقشنا وغيرنا من خلال زاوية معينة بنظر فيها للأمور ويقيس من خلال نظارات هذه الزاوية التي يضعها على عينيه ويحكم على غيره من خلالها، وهو يظن أن منهجهه الذي يقلده هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وذلك لسبب واحد وهو أنه يسمى منهج أهل السنة والجماعة، أي بسبب الاسم لا المسمى،
وعلى كل حال فأول من سموا انفسهم بأهل السنة هم الأشاعرة وليس الحنابلة، ولكن بعد غلبة منهج الأشاعرة وضمور منهج المعتزلة، صار الكل يدعي بأنه على منهج أهل السنة وأضافوا إليه لفظة "الجماعة" فأصبح يسمى بمنهج أهل السنة والجماعة.
ولذلك فنحن لن نناقش أي شخص بوصفه الشخصي ولا لكلامه الذاتي، فهذا الكلام الذي يذكره -هو في أغلبه- قد ناقشه وما زال يناقشه علماء الأمة منذ أكثر من ألف سنة وهو خلاف معروف بين المدارس الفقهية والأصولية والعقائدية، والطعن والغمز واللمز بالشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى وحزب التحرير هو في الحقيقة  ليس خاصا بحزب التحرير بحيث توجه سهام النقد للحزب تحديدا، ولكنه خلاف مع الأمة وتاريخها وعلمائها وصحابتها وتابعيها وخلفائها، فآراء الحزب التي انتقدها بعضهم جميعا هي آراء لعلماء أفذاذ ممن سبقوا الحزب بمئات السنين، ولكن مشكلتهم أنهم لم يكونوا من أتباع المدرسة السلفية الوهابية الحنبلية.
والذي ميز حزب التحرير عن غيره في العصر الحديث، أنه درس جميع الآراء الإسلامية التي سبقته وتبنى منها ما رآه صوابا وفق منهجية محددة، واستبعد الآراء الضعيفة والشاذة مما تبناه، وقد وضح الحزب هذه المنهجية في أدبياته. وكذلك قام الحزب بتبني آراء جديدة فيما يتعلق بما جد من شؤون الدنيا سواء في السياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الدولية أو الحكم أو الاجتماع، ثم رد عليها من زاوية شرعية وفكرية ليكون فكر تجديديا وإسلاميا خالصا، وقام الحزب أيضا بإنزال الأحكام على وقائعها بعد فهم الواقع بشكل صحيح مستنير ليصبح هذا الفكر سياسيا يعالج الواقع.
وحمل الحزب دعوة الإسلام في المجتمع في مواجهة جميع التيارات المخالفة للإسلام، وكان يجب أن يكون الحمل للإسلام حملا سياسيا ليكون الإسلام هو الأساس في المجتمع وليحل محل الفكر العلماني الديمقراطي الرأسمالي المتركز في المجتمع، وكان يجب أن يكون هذا الحمل سياسيا واقعيا وليس أكاديميا مدرسيا لا علاقة له بالواقع.
والحزب قبل أن يتبنى أي فكرة أو حكم شرعي قام بواجبه الأصلي المطلوب من المجدد، فأول أمر يهم المجدد أو الحزب السياسي المبدئي أن يدرس مشكلة المسلمين في العصر الحاضر ومن ثم يجب أن يحددها ليوجه العلاج الشرعي الصحيح إليها، وليست أبحاث الحزب بغرض البحث الأكاديمي والبحث العلمي المنقطع عن الواقع كما يفعل غيره، بل أبحاثه كلها تصب في معالجة مشكلة المسلمين كما درسها وحددها بدقة،
فالحزب لم يعتبر مشكلة المسلمين في أصلها مشكلة في العقيدة كما يتصور اتباع المنهج السلفي الحنبلي ولا مشكلة في البدع، وكذلك ليست المشكلة مشكلة اقتصادية في الأساس ولا مشكلة حكم وسياسة بل أساس جميع ما يعانيه المسلمون ينبع من سوء الفهم للإسلام ثم سوء التطبيق.
فالحزب قد أدرك من أول يوم أن مشكلة المسلمين هي سوء الفهم للإسلام أو هي الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام، فكان لا بد للحزب من أن يتصدى لهذه المشكلة ويعالجها، فبعد الدراسة والبحث والنظر في تاريخ المسلمين حدد الحزب أسباب هذه المشكلة في عوامل عديدة منها: دخول الفلسفة الاغريقية وعلم المنطق على الإسلام ونشوء علم الكلام، ومنها دس الحاقدين على الإسلام بالكذب على حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها إغلاق باب الاجتهاد، ومنها فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، ومنها دخول الفلسفة الهندية ونشوء الصوفية ومنها الفلسفة الفارسية ومشكلة الوراثة في الحكم كما فعل معاوية بن أبي سفيان في توريث ابنه يزيد للحكم، ومنها الغزو الفكري للحضارة الغربية لأبناء المسلمين في العصر الحديث قبل هدم الخلافة، ومنها هدم الخلافة والاحتلال العسكري المباشر لأراضي المسلمين من قبل الغرب الكافر ومباشرة تطبيق أحكام الكفر في ديار الإسلام وغير ذلك من الأسباب.

هذا هو مشروع حزب التحرير الحضاري فهو يريد أن ينهض بالمسلمين النهضة الصحيحة وأن يطبق شرع الله بإقامة الخلافة الإسلامية وأن يوحد بلاد المسلمين في دولة واحدة وأن يحرر المغتصب والمحتل من بلاد المسلمين، ثم تقوم دولة الخلافة باستئناف الفتوحات الإسلامية لديار الكفر لنشر رسالة الإسلام رسالة هدى ونور للعالم أجمع كما أمرنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا رسوله عليه الصلاة والسلام.

لذلك فنحن لا نرى وجود آراء إسلامية مخالفة لمنهج الحزب قضية مصيرية يجب القضاء عليها وبذل الجهود والأوقات لتبيان عوارها ما دامت آراء إسلامية، وما نقوم به هو توضيح وعلاج لسوء الفهم للإسلام الذي يعاني منه المسلمون، لذلك فموقفنا من المسلمين هو موقف الإسلام والحكم الشرعي، وهذا بالضبط موقفنا من أي مسلم فهو أخ لنا في دين الإسلام ونخفض جناحنا له ولا نطعن أو نسب بل ننصح ونوجه ونذكر له أين الخلل في فهمه للإسلام.



منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (5)


إشارة لما سبق الحديث عنه، فإنني أود هنا أن أركز على نشوء مدرسة الحنابلة في العقيدة المسماة حاليا بالسلفية بكافة أشكالها، وبعد فهم تاريخها وأسباب نشؤوئها ومنهجيتها في البحث نستطيع تحليل وتفكيك طريقة التفكير هذه المدرسة وتبيان أين الخلل فيها وكيف تساعد هذه المدرسة على سوء الفهم للإسلام وكيف أجرمت في إبعاد الناس عن الحكم بما أنزل الله بسبب تبعيتها لحكام الجور والظلم، ومحاربتها الشديدة لعودة الخلافة من خلال توجيه اتباعها إلى نقاش سفاسف الأمور، والابتعاد عن نقاش الأمور الحقيقة الصحيحة التي تهم المسلمين، وترك أمور الحكم والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية لحكام ظلمة أذناب للغرب الكافر المستعمر يسمونهم زورا وبهتانا بأولياء أمور كما نرى في بعض دول المسلمين التي ينتشر فيها مذهب الحنابلة السلفيين.

وعود على بدء نقول أن بداية سوء الفهم للإسلام الذي ذكرناه أعلاه في القرن الثاني للهجرة قد ترافق مع ظهور بعض التيارات الفكرية والفرق في تاريخ المسلمين بسبب تأثر المسلمين بأفكار من الفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية، مما أدى إلى نشوء المتكلمين وعلم الكلام، وبروز تيار المعتزلة في الدولة العباسية وكذلك نشوء الطرق الصوفية والمغالاة التي وقعوا فيها.
وندرك كذلك رد الفعل الطبيعي للأمة الإسلامية حيال ذلك، والذي أدى إلى نشوء فرق أخرى للرد على المتأثرين والمغالين، فنشأ أهل السنة (الأشاعرة والماتوريدية) للرد على المعتزلة والفرق الأخرى، بهدف كبح جماح اندفاع المعتزلة في أقوالهم بخلق القرآن وصفات الله والقضاء والقدر وغيرها من المسائل العقائدية، ولكنهم وقعوا في أخطاء منهجية في أبحاثهم لأنهم ردوا على نفس الصعيد وباستخدام علم المنطق والأفكار الفلسفية في الردود. فوقعوا في أخطاء، لكن الجميع بقي في دائرة الإسلام ولم يخرج عنها، وقد درس الحزب منهجيتهم وألف فيها ووضح أسباب الخطأ المنهجي، وللمراجعة يمكن الرجوع إلى كتاب الشخصية الإسلامية في جزئه الأول.

في تلك الأثناء كان هناك فريق آخر يشاهد كل هذا ويراقبه وهم فريق مدرسة الأثر أو أهل الحديث، وهم فريق ممن لا يُعنون ببحث الأمور العقائدية والفكرية ابتداء، لأنها ليست من دائرة اهتماماتهم وتخصصهم، لكنهم رأووا في ما يحدث من خلافات فكرية وعقائدية في العراق وما جاوره بأنه يمس إسلام كل مسلم فأرادوا أن يكون لهم دور في الردود، ولكن تدخلهم لم يكن تدخلا كليا شاملا ولا منهجيا مبنيا على أصول، وإنما كان فقط تدخلا عند اشتداد الأزمات، كمسألة خلق القرآن وصفات الله، فكان الموقف العظيم للإمام أحمد بن حنبل أمام تيار المعتزلة وبعض خلفاء بني العباس في مسألة خلق القرآن وكذلك بعض الآراء فيما يتعلق بمسألة صفات الله.

لكن عموما لم يكن دخول أهل الحديث على النقاشات الفكرية بين الفرق الإسلامية من معتزلة وأهل سنة (أشاعرة) وجبرية ألا تدخلا عابرا ولوقف الاندفاع تجاه الآراء الكلامية المتأثرة بالفلسفة اليونانية، وهم عموما رفضوا علم الكلام وعلم المنطق، والملاحظ في ردودهم أنها كانت أيضا ردود أفعال من غير منهجية واضحة في تناول القضايا العقائدية، ولا لوم عليهم لأنهم لم يكونوا فرقة في العقيدة وإنما كانوا أهل حديث ورواة له، اهتموا بجمع الأحاديث وتخريجها وتصنيفها وجهدهم في ذلك مشهود ومشكور في تاريخ المسلمين، وقد اعتبر أهل الحديث (الحنابلة) جمع أحاديث النبي والذب عن سنته ومحاربة البدع أولوية لهم ولم يكن لهم جهد كبير في أبحاث العقيدة وعلم التوحيد وعلم أصول الفقه.

بقي هذا هو الحال بعد وفاة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سنة 240 للهجرة حتى القرن الرابع والخامس الهجري، حيث كان أتباع الإمام احمد بن حنبل في بغداد ذوي كثرة وغلبة، فاستغلوا قوتهم في مناصرة مذهبهم وأصبحوا يتعرضون للناس بالعنف في كل ما يرونه مخالفا للشرع. وتعدوا ذلك إلى مقاومة غيرهم والإسراف في أذاهم، وهذا المظهر من اتباع الإمام أحمد والتشدد سبب في نفرة الناس منهم. وهذه السمعة عن جفاف الحنابلة باقية حتى اليوم عند العوام

وفي القرن الرابع الهجري بدأ يظهر للحنابلة مدرسة في العقيدة وعلم التوحيد وقد رفضوا تفويض صفات الله تعالى وأثبتوا لله اليد والوجه والعين وغيرها ورفضوا المجاز في القرآن الكريم منعا لتحريف صفات الله كما ادعوا، وقد اتهمهم خصومهم من فرق أهل السنة الأخرى بالتجسيم (وسموهم الحشوية)، وكان منهم ابن حامد الوراق ويعد أول الحنابلة المجسمين وتوفي 403هـ، وجاء بعده أبو يعلى الفراء وابن الزاغوني كل هؤلاء إدعوا أن مذهبهم في التجسيم هو مذهب الإمام أحمد وبالتالي مذهب أهل السنة والجماعة، ثم جاء ابن تيمية بعد قرون (القرن السابع) وأحيا مذهب هؤلاء الثلاثة وادعى ادعائهم، وأدعى أن مذهبه هو مذهب أهل السنة وشنع على مخالفيه.

وما نراه اليوم من منهجية للسلفيين الوهابيين والحنابلة عموما في البحث والتأليف والنقد يرجع في معظمه إلى مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
ولم يكن لهذه المدرسة السلفية أتباع كثر إلا بعد تحالف محمد بن عبد الوهاب مع ابن سعود بعد أن قام الأخير قام بالتعاون مع حكومة شركة الهند الشرقية ضد الخلافة العثمانية، وبعد تأسيس هذه الدولة بالتعاون مع الانجليز صار لها اتباع في نجد والحجاز وباقي مشيخات الخليج، ثم انتشر اتباعها في باقي المناطق بواسطة الدعم المالي من هذه الدول النفطية، وبعد دراسة العديد من الطلاب في مدارس هذه الدول وعودتهم لبلدانهم، وكذلك هناك سبب آخر ألا وهو رغبة حكام العرب وغيرهم في محاربة بعض الحركات الإسلامية فتم استغلال تيار السلفية الوهابية ضد هذه الحركات كما فعل حكام مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وبذلك صار لهم انتشار وحضور في مناطق لم يكن لهم في اتباع.

وبعد هذه اللمحة التاريخية يتبين لنا بشكل واضح ضيق الأفق عند اتباع هذه المدرسة خصوصا في التعامل مع مخالفيهم، وإنكارهم أو عدم اعترافهم بشرعية الخلاف في الظنيات بين المدارس الإسلامية وبأنه أمر مستساغ ومشروع ما دام يستند إلى دليل أو شبهة دليل، وكون الرأي يعتبر فهما إسلاميا راجحا كان أو مرجوح، فهم لا يستسيغون الخلاف الفقهي والشرعي والعقائدي في الظنيات. وبذلك خالفوا منهج النبي عليه السلام وصحابته الذي تعتبر المجتهد المخطئ له أجر في الشريعة إن كان الأمر يتعلق بالظنيات وما فيه مشروعية في الخلاف بين المسلمين. وذلك استنادا إلى أدلة شرعية كثيرة ومنها ما رواه البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ).

إذن نحن ندرك بأن الكثير من أتباع هذه المدرسة السلفية الحنبلية الحديثة يعانون من سوء الفهم للإسلام، وهم جزء من المشكلة التي يعاني منها المسلمون حاليا، وهذا يفسر وقوفهم أمام دعوة الحزب بوصفها دعوة سياسية تريد تغيير المجتمع وإزالة الحكام وإقامة الخلافة، وهذا ما لا ترضاه بعض الدول القائمة في العالم الإسلامي، ولذلك تقوم هذه الدول بتوجيه الكثير منهم بالرأي والمال لحرب فكرة الحزبية الإسلامية وترك السياسة والاقتصاد لفجور الفاجرين من الحكام، ويحاربون دعاة التغيير والخروج على الحكام الجبريين.


منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (6)


بعد شرح تاريخ وظروف نشأة الفكر السلفي وبعض ما يتميز به، نود أن نتقدم خطوة أخرى للأمام ولكن قبل ذلك دعونا نلخص أبرز ما يميز الأصول الفكرية لمذهب السلفية الحنبلية:
·        وجود قواعد معينة في الأخذ من مصادر التشريع وخصوصا الاعتماد على الآثار والنفور من الاجتهاد والقياس.
·        يقوم الفهم على الاعتماد على النص بظاهره ورفض التأويل وعلم الكلام وتسخيف العقل. وكذلك تضييق دائرة الظنيات في النصوص الشرعية.
·        وجوب تتبع أقوال وآثار علماء "السلف" واعتبارها الأساس في فهم النصوص الشرعية
·        اعتبار مذهب أهل السنة والجماعة بأنه الحق وأنهم الفرقة الناجية
·        عدم مراعاة أصول الخلاف وأدب الاختلاف مع آراء المخالفين في الفهم للمذهب واعتبارها إما بدعية أو منحرفة

والهدف من هذه الطريقة هي حصر الشرعية في مذهبهم، واعتباره الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن من يخرج عنه فكأنما خرج من الفرقة الناجية إلى جهنم، وبذلك يضمنوا ولاء وتمسك الاتباع والتقليد والاقتداء بأقوال السابقين.

ثم يحيطون هذه الأصول الفكرية بأمور أخرى تحصنها مثل:
·        وجوب محاربة الفرق المخالفة التي يسمونها أهل البدع والأهواء، واعتبار التشنيع عليهم وتتبع عوراتهم فضيلة محمودة.
·        حصر علماء السلف الذين تؤخذ أقوالهم بأتباع المدرسة الحنبلية السلفية في الفقه وأصول الدين.
·        إخراج الفرق الإسلامية المخالفة لهم من مسمى أهل السنة والجماعة، كالأشاعرة والماتوريدية والمتكلمين وكأهل الرأي من الأحناف وغيرهم وكذلك الصوفية، من قديم هؤلاء وحديثهم، ثم عدم الاعتداد بآرائهم. واعتبارها ممن لا يعول عليه بشيء.
والهدف أن يؤدي هذا إلى رفض جميع الأقوال المخالفة لآرائهم -وكأنهم يحرمون وجود أي رأي شرعي أو فقهي مخالف وإن كان في الظنيات- باعتبارها من البدع، وهذا يؤدي إلى تضييق دائرة من يعتد برأيهم ويؤخذ كلامهم، وبالتالي حصرهم في دائرة مغلقة. وإذا جاريتهم في نقاشهم واستدلالاتهم واستشهدت بكلام لأحد علماء السلف يبدأون يصنفون ويخرجون قوله من دائرة أهل السنة وبالتالي رفض أقواله باعتبارها ليست على مذهب الفرقة الناجية

 إذن نرى أن منهجهم في النقاش يقوم على الآتي:
إن ناقشتهم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ووضحت لهم أدلتك الشرعية ووجه الاستدلال وكيفية الاستنباط، رفضوا ذلك وتوجسوا منك، ثم حصروك في أدلة معينة وفق مذهبهم.

ثم إن أتيتهم بفهم معين وفق الأدلة الشرعية المعتبرة في مذهبهم، سألوك من قائل القول؟

فإن قلت لهم هو رأي فلان من المتأخرين، طلبوا منك فهم السلف لا الخلف.

وإن أتيتهم بقول لعالم من السلف على غير مذهبهم رفضوه باعتباره ليس من أهل السنة والجماعة (الحنابلة السلفية).

ثم إن ذكرت لهم احد الأقوال من علماء مذهبهم الحنبلي، البسوه لباس الشذوذ ومخالفة أقوال ما عليه مذهب أهل السنة.
فماذا تفعل معهم؟

الصحيح أن الوضع منغلق والفكر فيه مأزوم وميؤوس منه، إذ لا يمكن النقاش معهم وفق هذه المنهجية التي ابتدعوها حماية لتعصبهم لمذهبهم، لأنك إن ناقشتهم بالعقل في الأمور التي للعقل مدخل فيها من العقائد كإثبات الخالق ردوك إلى النقل، وإن ناقشتهم في النقل والأدلة السمعية أدخلوك إلى منهجية معينة يجب أن تصب وفق أفهامهم.

ولا أقصد أن المذهب منغلق تجاه تذكيره بآيات القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، بل أقصد أنه منغلق ومحصن بانغلاقه على فهمه للأدلة، بحصره هذا الفهم باقوال علماء محصورين من الحنابلة السلفيين، ورفضه الأفهام المتقدمة والمتأخرة ممن عداهم، اي أنه يرفض فتح أبواب الحصن المحصنة لدخول وقبول أفهام جديدة أوعى من القديمة وأوجه استدلال أرجح مما لديهم حتى ولو كانت حقا وصدقا، فقط لأنها أقوال وآراء لمتأخرين تخالف ما عليه سلف الأمة (الحنابلة).
وأن حاولت فتح بعض المغاليق في منهجيتهم الفكرية كمناقشة الفهم القطعي والظني كخبر الآحاد أو مناقشة الآيات المتشابهات في صفات الله وقول غلاة المذهب في التجسيم والجهة وسبب رفض تفويض معاني الصفات، لن تجد معهم قواعد مشتركة أو مسلمات معينة للنقاش لا في العقليات ولا في الشرعيات، اللهم إلا في حالة واحدة إذا سلمت لهم بمنهجيتهم في البحث والاستدلال، وعندها لن يكون هناك نقاش بينك وبينهم بل عليك الالتزام بأقوال وأفهام العلماء السابقين وتحري نقولات مطولة حول قضايا معروفة نتائجها سلفا. فتكون الطريق منغلقة في النقاش.

وإن ناقشتهم في قضايا ومشاكل محدثة ومعاصرة فإنك تقع معهم في خيارين: إما أنهم يسقطوا أفهاما واصطلاحات قديمة على وقائع ليست من جنسها كتسمية حكام العرب والمسلمين بأنهم ولاة أمر ، وتصنيف الناس وفق قوالب جامدة قديمة كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والقدرية والجهمية والروافض وغير ذلك وينسون تصنيفات مثل الشيوعية والرأسمالية والعلمانية والديمقراطية والوجودية والقومية والوطنية.

أو تجدهم لا رأي لهم بهذه القضايا الحديثة ويجيبوك أن هذا الشأن متروك للأئمة وولاة الأمر كقضايا السياسة والعلاقات والقانون الدولي والأمم المتحدة ومثل شؤون المال كالبورصة وملكية النفط وغيرها، فترى العجب العجاب من قوم ينكرون عليك أشد الإنكار لتطويل ثوبك أو حلق لحيتك أو لرأي ظني في فروع الدين، ثم تجدهم في أمور عظيمة تحدد وتهدد مصير الأمة -لم يتبينوا للسلف فيها رأي- ترى أنهم يستبيحونها استباحة ويسلمونها تامة لأعوان الكفار من الحكام كاحتلال بلاد المسلمين وشكل نظام الحكم والنظام الاقتصادي والسياسة الدولية وغيرها.

وعليه وبعد البحث والتفكير وجدنا أن وضع هذه المنهجية الحنبلية السلفية بأنها نظام منغلق تجاه الغير سواء في مناقشة الأدلة العقلية أو الأدلة النقلية او أفهام جديدة، وبالتالي توجد مشكلة حقيقية لدى أهل وأتباع هذا المذهب من انغلاقه على سوء الفهم للإسلام، ثم من إحاطة انغلاقه هذا بتحصين خارجي يغلف هذا الفكر كما ذكرنا أعلاه، ثم اتباع سياسة رمي من هو خارج الحصن بمختلف الأسلحة كما يُرمى العدو الخارجي المحيط بالحصون بالنبال والنار والحجارة ومختلف الأسلحة (أقصد الأسلحة الفكرية مجازا).

فهل يمكن فتح حصن فكري منغلق كهذا ومتشدد أيضا على من يقف خارجه؟ وله من الطبائع التي تحول دون الاستماع واتباع للهدى والحق إلا إذا كان وفق هواهم؟
سؤال كبير في الحقيقة وهو بحاجة للبحث والجد لأجل الإجابة عنه!!

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب، وأبعد عنا الفتن وانغلاق الفطن، ونجنا من سوء الفهم وسوء الخلق، ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

والحمد لله رب العالمين

 هذا الموضوع بعنوان (منهجية البحث عند اتباع المدرسة السلفية الوهابية) تم نشره في منتدى العقاب في شهر 10/2012 تحت الرابط:
http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2935
وكذلك في الرابط: بعنوان أصول تقي الدين النبهاني وحزب التحرير/د.طارق عبد الحليم كالتالي
http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2686&st=40

الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

مفهوم المادة والأشياء والنظام

مفهوم المادة والأشياء والنظام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد،

·        بناء مفهوم للمادة والشيء:


من الاخطاء الفاحشة التي يتم يقع فيها الناس هو النقاش في المادة. وبينما البحث الصحيح يفرض حتما النقاش في الاشياء المدركة المحسوسة وهي الكون والانسان والحياة، ينحرف النقاش ليبحث المادة. ومن هنا يجب التصدى لهاتين اللفظين (المادة والاشياء) للتفريق بينهما لان ذلك احد اهم الركائز التي بدونها يبقى البحث يدور في فرضيات وتخيلات.

 ان المادة امر غير محسوس ابدا. فالانسان لا يعرف الا الاشياء. ويمكن تعريف الشيء بانه المادة مضاف اليها خصائصها. فعند الحديث عن الكرسي او السكين او الجبل او الماء او الانسان فان الانسان يدرك ذلك بحواسه، ويحكم بعقله، ويتعامل مع اشياء وليس مواد. فما يظهر للانسان هو المادة ولكن شرط ان تكون المادة متلبسة بخصائص معينة. فالاشياء هي المادة مع خصائص وظيفية لها. فالذي يعرف الشيء هو الخاصية الوظيفية التي تعني استخدام هذا الشيء.

لقد تاه وزل وانحرف كل من بحث في المادة لانها مغيبة وتكاد تكون قضية فلسفية بحتة. حتى ان المفكرين والعلماء سواء من المتكلمين المسلمين او الفلاسفة اليونان قد اقتربوا من هذه النتائج من خلال بحثهم في الجوهر والعرض وتفريقهم بينهما، فيكاد الجوهر يطابق الى حد ما لفظ المادة.

·        الخاصية الوظيفية:

المهم في الامر، انه يلاحظ بان الانسان يقوم بتغيير الاشياء، فبامكانه ايجاد اشياء اخرى باستخدام الخصائص الوظيفية هذه التي لا تنفصل عن المادة. فمن قطعة حديد يمكن للانسان ان يشكل سكينا او فأسا او مطرقة أو دبوسا، فاختلفت الاشياء بسبب اختلاف خاصيتها الوظيفية الاستخدامية والاستعمالية. فالمطرقة والفأس والسكين اشياء متغايرة، وهي مادة مضافا اليها خصائص وظيفية معينة. اما النتيجة الاهم من وراء ذلك فهو ان الانسان من خلال وعيه وادراكه للخصائص الوظيفية يقوم بتصور الشيء وايجاده. وهذه نقطة حاسمة في النقاش.

ويمكن القول بان الخاصية الوظيفية هذه هي عبارة عن فكر او وعي مضاف الى المادة. فعندما "ينعكس" أي يؤثر الفكر او الوعي على المادة توجَد الاشياء. فالاشياء توجَد بعد وجود وعي يتم اضافته على المادة لتأدية وظيفة ما. فالخصائص الوظيفية هي خصائص طارئة على المادة، وهو دليل على وجود مشكِّل خارجي شكل المادة على نحو معين من خلال وعيه وادراكه الذي اضافه على المادة، لان الوعي يشكل ويصمم الخاصية الوظيفية. فالمادة لا يمكن ان تُوجد الا على شكل واعي. ومن الحجج التي تثبت هذا، هو الحاجة الى وعي او فكر مسبق يسبق ايجاد الاشياء الجديدة. وبقي ان نشير الى ان الخاصية الوظيفية هذه التي يتم الحديث عنها هي مضمون ما يعرف باسم الغائية او العلة الغائية بمعنى ان الاشياء موجودة على على شكل خصائص معينة لتأدية وظيفة معينة وليس في الامر عبثية.  

وتجدر الملاحظة إلى أن الخاصية ليست من المادة أو الأشياء، بل هي وعي أضيف إليها ولم تتغير طبيعة المادة ذاتها فمادة الحديد بقيت كما هي ولكن تم تشكيلها بأشكال مختلفة تعرفنا علها من خلال هذه الأشكال واستطعنا التفريق بينها كالسيف والفأس والدبوس والسكين.

·        انواع الخصائص (الصفات):

يوجد اكثر من نوع من الخصائص يمكن سردها وبيانها على النحو التالي:

1.      الخصائص الوظيفية: هي التي تم نقاشها واستعراضها سابقا وهي التي تحدد استخدام الشيء واستعمالاته حيث تظهر مقترنة مع المادة ولا تظهر المادة الا بها، وهي مع المادة تشكل الاشياء. فالاشياء هي مادة تشكلت بوظيفة معينة.

2.      الخصائص الطارئة: هي تلك الخصائص المعرفة للشيء وتميزه عن ابناء جنسه، وهي اقرب الى الصفات، وهي الخصائص التي تطرأ على الشيء ولا دخل لها في وظيفة المادة. فمثلا اللون الاحمر او الازرق او الابيض بالنسبة لانواع الورود، والطول والقصر ولون البشرة بالنسبة لبني الانسان. فالمقصود بان الخصائص الطارئة هي "مادة" (لون مثلا) تضاف الى "المادة" وهي تبين التشابه والاختلاف بين ابناء الجنس الواحد.

ومن "النكات" والفوائد في الموضوع ان هذا النوع من الخواص اصبح يدرس في علم الجينات لمعرفة اسباب الفروقات الفردية بين الأجناس كالألوان. كما يجدر التنويه الى ان هذا النوع من الخواص ايضا يتحكم فيه وعي الانسان، ويتم استحداثه في الاشياء بعد وجود الوعي والادراك المسبق. فمثلا يتم المزاوجة بين طعم التفاح والبندورة لاستيلاد فاكهة جديدة وذلك باستخدام هذه الخواص.

3.      الخواص الثابتة: هي الخصائص المعرِّفة للاشياء والتي تسمى (features) ولا يشترك فيها أكثر من شيء، فالخاصية الثابتة هي التي تحدد طبائع الاشياء ولا يمكن معرفة الشيء الا بها، لذلك فتعريف الاعيان والعناصر لا يتم الا بالخواص الثابتة، فهي صفات لا تتغير. ففي كل ظرف طبيعي توجد صفة دائمة للاشياء كالسيولة والكثافة واللزوجة، فالماء فوق درجة 100 مئوية يكون بخارا غازيا، وتحت درجة الصفر يكون جليدا صلبا وما بينهما يكون سائلا مائعا. وخاصية اللزوجة في السوائل تختلف بين كل سائل وآخر ولكنها ثابتة لكل نوع فالمادة له خاصية لزوجة تميزه عن الزيت وللزيت خاصية لزوجة تميزه عن الكحول فيمكن تحديد نوع المادة من الصفات الثابتة المميزة لها.

وهنا يجب التنبه لان الكثير من الخصائص الثابتة المعرفة للاشياء لا تظهر الا في حالة الحركة والانفعال مثل غليان الماء بفعل الحرارة على درجة معينة من الحرارة.

4.      الخصائص الدائمة: هي الصورة الغالبة للاشياء التي لا تظهر الا بها في الحالة الطبيعية، فمثلا السيولة للاشياء المائعة، والصلابة في المعادن.

5.      الصفات اللازمة: لا يتصور الشيء الا عليها، ولا يمكن تصور الشيء الا بها مثل وجود بعدين للسطح، وثلاثة ابعاد للجسم. فلازم السطح بعدين، ولازم الجسم ثلاثة ابعاد. واللزوم هو على ضربين لازم في ذاته او لازم بالتبع أي بالأثر. اما اللزوم الذهني لتصور الشيء، فمن امثلته لزوم الارتفاع للسرير، ولزوم الإحتراق للحرارة والنار. اما النتيجة الهامة التي يجب التنويه لها فهي: ان اللزوم هو مظهر العلية، واللزوم هو مضمون العلة والسبب.

6.      الصفات الواجبة: هي صفات تلزم خارج الشيء، أي ما يلزم بالدليل خارج الشيء وليس من ذات الشيء. مثل وجوب وجود خالق للكون لأنه محتاج ومحدود وعاجز.


·        النظام وعلاقته بالاشياء:

يعرّف النظام بانه قيد صارم على الاشياء، فواقعه ووصفه بانه مسيطر على الاشياء وهو يشكل المواد ومتحكم فيها، ولا يتخلف ابدا، فالنظام ليس هو المادة. اما التعريف الادق للنظام فهو النسب المعينة للروابط بين الاشياء وفي الاشياء. ومن الامثلة الواضحة على ذلك المثلث، فالمثلث او سكة الحديد هي غير الخط المستقيم والقطار، ولكن بنظام معين وبترتيب خاص يصبح الخط المستقيم مثلثا من خلال نسب معينة بين الاضلاع والزوايا المتشكلة التي يقف خلفها وعي وفكر سابق لانتاج الشكل المطلوب.
 
ومن الصحيح القول بان كل شيء له نظام معين مفروض عليه، كما يمكن للانسان اخذ شيء معين بنسبة معينة ووضعه في شيء اخر اذا كانت النسب صالحة للعمل، كان تأخذ ترانزستور بقيمة معينة من جهاز تلفزيون وتضعه في جهاز اخر مثل الراديو فيصلح إذا كان مناسبا أي بنسبة معينة. فالنظام هو الروابط بين الاشياء التي تم جمعها بنسب معينة ومحددة. فالنظام هو الذي يشغل نفس الخاصية في أكثر من شيء. والوعي أو الفكر يستطيع ايجاد (خلق) النظام إذا "انعكس" بمعنى أثر في المادة، فنفس الخواص تقوم بتصميمها بنسب معينة وجمعها لتشكيل نظامك أنت كاختراع ثلاجة أو سيارة أوساعة.
 
فالمغناطيس فيه خاصية أنه إذا تحرك فوقه سلك يؤدي إلى وجود تفاعل فيزيائي ويولد هذا التفاعل طاقة كهربائية، واستطاع الإنسان الانتفاع من استخدام هذه الخاصيات بنسب محددة ثابتة أن يخترع ويصنع المحرك الكهربائي واستطاع بنسب معينة تحويل الطاقات من شكل إلى آخر كما يحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميكانيكية في السيارة.


مع تحياتي