الأحد، 14 أبريل 2013

قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر ( 2 )


العنوان: قرائن عقلية على وجود اليوم الآخر ( 2 )

السلام عليكم
أود أن أذكر لحضراتكم بعض اقوال المفسرين لقوله تعالى في سورة الشورى: { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ {18}
ومنه تتضح الصورة لبعض لإخوة الذين بنظرون للأمور من زاوية واحدة فقط أو لمن يأخذون بنظرية العامل الواحد أو أن الحق لا يكون إلا في رأي واحد، فأحببت أن انقل لكم بعض تفاسير لهذه الآية توضح ما ذهبنا إليه.
مفاتيح الغيب للرازي
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والبينات، وأنزل الميزان وهو الفصل الذي هو القسطاس المستقيم، وأنهم لا يعلمون أن القيامة متى تفاجئهم ومتى كان الأمر كذلك، وجب على العاقل أن يجد ويجتهد في النظر والاستدلال، ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد، ولما كان الرسول يهددهم بنزول القيامة وأكثر في ذلك، وأنهم ما رأوا منه أثراً قالوا على سبيل السخرية: فمتى تقوم القيامة، وليتها قامت حتى يظهر لنا أن الحق ما نحن عليه أو الذي عليه محمد وأصحابه، فلدفع هذه الشبهة قال تعالى: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } والمعنى ظهر، وإنما يشفقون ويخافون لعلمهم أن عندها تمتنع التوبة، وأما منكر البعث فلأن لا يحصل له هذا الخوف.
ثم قال: { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } والممارة الملاجة، قال الزجاج: الذين تدخلهم المرية والشك في وقوع الساعة، فيمارون فيها ويجحدون { لَفِي ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } لأن استيفاء حق المظلوم من الظالم واجب في العدل، فلو لم تحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله تعالى، وهذا من أمحل المحالات، فلا جرم كان إنكار القيامة ضلالاً بعيداً.
فتح القدير الشوكاني
{ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَى ٱلسَّاعَةِ } أي: يخاصمون فيها مخاصمة شك، وريبة، من المماراة، وهي: المخاصمة، والمجادلة، أو من المرية، وهي: الشك، والريبة { لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ } عن الحق؛ لأنهم لم يتفكروا في الموجبات للإيمان بها من الدلائل التي هي: مشاهدة لهم منصوبة لأعينهم مفهومة لعقولهم، ولو تفكروا لعلموا أن الذين خلقهم ابتداء قادر على الإعادة.
روح المعاني للالوسي
فالمعنى إن الذين يترددون في أمر الساعة ويشكون فيه { لَفِي ضَلَـٰل بَعِيدٍ } عن الحق فإن البعث أقرب الغائبات بالمحسوسات لأنه يعلم من تجويزه من إحياء الأرض بعد موتها وغير ذلك، فمن لم يهتد إليه فهو عن الاهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد.
خواطر الشعراوي
لذلك وصف الذين يجادلون فيها مجرد جدال بأنهم في ضلال بعيد { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } [الشورى: 18] والمراء: هو الجدل العقيم الذي لا يوصل إلى الحقيقة.
ووصفهم بأنهم في ضلال بعيد، لأن مجرد النظر العقلي يثبت يوم القيامة وضرورته بالنسبة للحياة الدنيا، فلو تأملوا واقع حياتهم لوجدوا أنهم في أمور دنياهم يأخذون بمبدأ الثواب والعقاب، فلا بدَّ لتستقيم الأمور من مجازاة المحسن بإحسانه، ومعاقبة المسيء على إساءته.
في واقع حياتهم تعليم وتلاميذ في المدارس يُجرون لهم اختبارات شهرية يُصوَّب فيها الخطأ بالأحمر ليعرف التلميذ خطأه ويُصححه، أما في امتحان آخر العام فلا تُصوَّب الأخطاء، إنما تُعطى عليها درجة يترتب عليها نجاح أو رسوب، هذا هو الحساب والجزاء.
فإذا كنتم تفعلون ذلك في أمور دنياكم، فلِمَ تكذبون به مع الله عز وجل، وفي البشر في رحلة الحياة المؤمن والكافر والطائع والعاصي والمجرم والمحسن، كيف إذن يتساوى كُلُّ هؤلاء؟
الرجل الذي قال: لن يموت ظَلُومٌ حتى ينتقم الله منه، لأن العقل يقول ذلك ولا يصح أنْ يفلت بجرائمه دون عقاب، فلما رأى ظالماً مات سالماً لم يُصِبْه شيء قال ماذا؟ قال: لا بدّ أن وراء هذه الدنيا حياةً أخرى يُعاقب الظالم على ظلمه، لا بدَّ وإلا فقد فاز المجرمون الظالمون وأفلتوا بجرائمهم، وضاع حَقُّ المظلومين والضعاف في الدنيا وفي الآخرة.
وبعد،
فهل كلام العلماء والمفسرين لآيات الله واستدلالهم بالأدلة العقلية على أن المشككين بالآخرة في ضلال ضلال بعيد، في هذا المقام غير معتبر؟
الحقيقة أن الأدلة العقلية والنقلية تتعاضد ولا يجافي ولا يناقض بعضها بعضا، بل جميعها تصب في نفس الاتجاه،
وبذلك فعلينا أن نوسع الافق في التفكير والبحث وطرائق الاستدلال، خصوصا إذا كانت هذه طريقة القرآن في التدليل، وبالتالي فليس هناك فصل تام بين العقلي والنقلي إما هذا أو هذا بل قد يكون كليهما وهما يتكاملان ولا ينفصلان
والحمد لله رب العالمين
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لك على التعليق