الأحد، 4 نوفمبر 2012

فتح الحصون الفكرية المنغلقة للسلفية الحنبلية

فتح الحصون الفكرية المنغلقة للسلفية الحنبلية


السلام عليكم ورحمة الله

بالإشارة إلى ما كتبناه في الموضوع السابق بعنوان "منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي الحنبلي " والسؤال الذي طرح (فهل يمكن فتح حصن فكري منغلق كهذا ومتشدد أيضا على من يقف خارجه؟ ) هذا ما نحاول الإجابة عليه هنا إن شاء الله.
 
 ذكر بعض الإخوة لنا تصوره لكيفية التعامل مع الحصون المنغلقة في تفكير السلفية وذكر أنه بوجود وليّ الأمر الحق ( خليفة المسلمين) هو ما يحل مشكلتهم ويفتح أبواب حصونهم، وهذا وإن كان قد يحل المشكلة عمليا لكني لم أقصد الحل العملي، وإنما قصدت الحل الفكري الثقافي. فبارك الله في جهودهم.

كذلك نحن ندرك من دراسة تاريخنا الإسلامي أن هذا الفكر كان موجودا عبر العصور ولم يحارب من قبل الدولة، وخضع اتباعه لخلفاء المسلمين من غير إشكال، وإنما تركته الدولة للرأي العام وقد قال فيه الرأي العام قولته المشهورة: (لا تكون حنبلي) ولذلك لم يكن له وجود هام يذكر في بلاد المسلمين إلا هامشيا، فقد وجد الفقه المالكي شمال افريقيا والاندلس مكانا له، أما الفقه الشافعي فكان له اتباع في مصر وبلاد الشام واليمن والحجاز وشرق افريقيا، أما الفقه الحنفي فكان له اتباع في العراق وتركيا وبلاد الهند. وهذا ما يدل على أن هذا الفكر إذا ترك دون دعم دولة قوية وفقد المال والسوط فسيتلاشى معظم أتباعه وينفض عنه الناس.

وذكر بعض الإخوة ايضا فكرة أن مفتاح عقولهم فكرة الانشقاقات لكنها أيضا ليست حلا، لأن انشقاق السلفية الجهادية عنهم زاد من تعنت اتباع السلفية الوهابية تجاه هؤلاء ورموهم باتهامات خطيرة بأنهم خوارج العصر (كما نعرف من شغفهم بتقسيم للناس لفرق وطوائف).
 

فاين الخلل في هذا النظام المنغلق؟

إذا أردنا أن نفتح الحصن الفكري المنغلق للسلفية، فعلينا النظر في الأصول التي اعتمدوا عليها والحصون التي حصنوا انفسهم بها، ثم معرفة مدى مصداقيتها من ناحية شرعية، وأن نقر منها ما كان مشروعا وأن نهاجم منها ما كان منكرا أو ظنيا، ويذكرونه على أنه حق لا مرية فيه، وبذلك ربما نفتح الابواب الموصدة من هذه الحصون.

فمن فهمنا لسنن الله تعالى في الكون والمجتمعات نعرف أن من ميزات النظام المنغلق أنه لا يتأثر ولا يتفاعل مع المحيط ويتجاهل الاعتبارات الخارجية وليس فيه أخذ ورد (عبرة وتصحيح للمسار)، ولا يميل إلى المحافظه على استقراره وتوازنه بعكس النظام المفتوح. وندرك أيضا بأن النظام المنغلق وبهدف المحافظة على الاستمرار والاستقرار يبتعد عن عن التعامل مع العوامل المتغيرة في محيطه، ويحبذ التعامل مع الأمور الثابتة المستقرة التي لا تتغير (مثل العقائد والعبادات)، وبالتالي فهو يعاني من الجمود والتقليد للسابقين ويحارب التحسين والتطوير لأنه يظن بأنه ليس بالإمكان ابدع مما كان (على عهد السلف من أفهام).

والأصول التي يمكن التعرض لها بالنقد هي: فهم السلف للنصوص، أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية، الخلاف المشروع في الظنيات دون القطعيات، الحقيقة والمجاز في اللغة والقرآن، البدعة.

وهذه الأفكار في الأساس مبنية لديهم على سوء فهم للإسلام، يؤدي إلى ما نراه في سلوكهم من سيئات، وبالتالي فإن الحل يكمن في مناقشة هذه الأصول عند السلفية، وإذا تبين لهم أن أفهامهم مرجوحة لهذه الأمور تنهار باقي الأفكار التي بنيت عليها والسلوكيات المتشددة ضد غيرهم، وبذلك  يكون دك الحصون قد افلح، وبعدها يصار إلى البناء الصحيح للمفاهيم.

والأصول الحصينة التي يمكن دكها كما يلي:

1.      مصطلح اهل السنة والجماعة المرتبط بالفرقة الناجية ليس هو الصحيح، فهذا ليس دليلا شرعيا والمعتبر فقط إنما ما عليه النبي وصحابته فجميع المسلمين ناجون ما اتبعوا النبي عليه السلام وإجماع الصحابة ولا عبرة بما اتفق عليه الناس بعد ذلك.

2.      الفهم للنصوص والاستنباط منها ليس متعلقا بجيل يسمى السلف بوصفه الأقرب للصواب، فليس على ذلك دليل قاطع أو راجح، فلا دليل على وجوب اتباع السلف بل من يؤخذ منهم هم اجماع الصحابة دون اجماع غيرهم، فليس عمل أهل المدينة دليلا مثلا. وكذلك تدبر في قوله عليه الصلاة والسلام (رب مبلغ اوعى من سامع) والمبلَّغ ليس فقط زمن النبي بل في كل العصور ممن يبلغه الحديث فيكون أوعى ممن سمعه من الصحابة فلا حصر فيهم، أما ما ورد من أحاديث في خيرية القرون الثلاثة الأولى مثل قوله عليه السلام فيما رواه البخاري: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ... إنَّ بعدَكُم قوماً يخونون ولا يُؤْتَمنونَ ، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون ، ويَنْذِرونَ ولا يِفونَ ، ويَظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ "وحديث آخر يذكر (...ثم يفشوا الكذب) فهذه الأحاديث ليس فيها دلالة على أن خير الفهم للإسلام يكون في القرون الثلاثة الأولى، بل يدل على أن الخيرية في العمل والسلوك مثل الأمانة والصدق في النقل والوفاء بالنذور، ولا دلالة فيه على أنهم أحسن الناس فهما بل فيها دلالة على صدق الرواية ونقل الأحاديث.

3.      جواز الاختلاف في الظنيات والفروع الاجتهادية من غير إنكار ما دامت وفق الأدلة الشرعية وللمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر، والتأدب مع المخالفين وعدم كيل الاتهامات والتشنيع باعتبارهم مبتدعة ثم تسويغ الافتراء عليهم وتحريف كلامهم

4.      عدم التسليم لهم بتقسيم المسلمين إلى فرق وطوائف مختلفة، ثم الصاق التهم بهم لتسويد صفائحهم وتسويغ ابعادهم وعزلهم ثم شتمهم، بل يجب التركيز على ما يجمع المسلمين وليس ما يفرقهم.

5.      التعرض بشكل مركز لفكرة انحراف الفهم لديهم مثل إنكار المجاز في القرآن واعتبار التأويل من التحريف والتعطيل، والتركيز على لغة العرب جميعا بحقيقتها ومجازها وعدم جواز الاقتصار على جزء منها فهذا تحكم من غير دليل، ورفض اعتبار تعريف المشكلة هي في التأويل والتعطيل

والخلاصة هو أنك كمسلم عندما تناقش مسلما تفترض من باب إحسان الظن بالمسلمين أنه إذا دعي إلى قول الله ورسوله أن يقول سمعنا وأطعنا، ولكن وللأسف فهذا وإن أدعي هذا عند السلفية الوهابية ولكنه ضيق وحرف بشكل لا يؤدي الغرض منه فيشترطون شروطا على الفهم للأدلة التي تأتي بها بحيث تؤدي إلى النتيجة المعروفة لديهم سلفا، فأنت لو ناقشت بالدليل الشرعي فرأيك غير مقبول إلا إذا كنت على مذهبهم، أو كان كلامك يتوافق مع ما عليه مذهبهم، أو أتيت بدليل يدل على دليلك من خلال فهم السلف (الحنابلة وأهل الحديث)، فهذا يدلك على مقدار التعصب للمذهب من غير إدعاء وجود التعصب من خلال وضع الشروط على الفهم مما يخل بالفهم.

للاسترشاد الصحيح للرد والتفنيد وتحطيم الحصون، يجب علينا النظر في كتاب الله القرآن الكريم، لنجد بعض الأمثلة المشابهة التي ذكرها ربنا جل وعلا حول طبائع بعض الأقوام الذين يتميزون بصفات تتشابه مع ما عليه هؤلاء، ومنهم الأقوام الذين ورد ذكرهم في كتاب الله والأقوام المتشابهون مع منهج هؤلاء هم –للأسف- أهل الكتاب -وخصوصا يهود- وكذلك أهل الجاهلية، وإليك التالي:.

قارن مثلا قول الله تعالى في شأن أهل الجاهلية من قريش والعرب في سورةالزخرف: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( 22 ))، قارنه بقول السلفية بوجوب اتباع فهم السلف (الآباء) وتقديم كلامهم على كلام الخلف لأنهم سلف وآباء فقط.

ثم قارن ما قال الله تعالى في سورةالزخرف (قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( 24 ) قارن ذلك برفضهم قبول النقاش وفق أسس الهدى بالاستنباط المباشر من الأدلة الشرعية، وإلزامك بقول الآباء السلفيين حتى ولو كان رأيا ضعيفا أو فهما مرجوحا.

وقارن قول الله تعالى في شأن يهود في سورة آل عمران (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) وقارنه بعدم قبول رأي أي عالم من السلف أو الخلف إلا لمن تبع مذهب السلفية الحنابلة!

وانظر كذلك قول الله تعالى في شأن أهل الكتاب  في سورة آل البقرة: )ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك (145)) فالقضية عندهم ليست قضية دلائل وبينات وآيات تهدي للحق، بقدر ما هي اتباع أقوال السابقين لأنهم سلف الأمة وعلى مذهب أهل السنة والجماعة.

وانظر كذلك قول الله تعالى في شأن المشركين في سورة يونس: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وفي سورة النجم: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً  28) قارنه مع ما عليه السلفية من اتباع الظن في العقائد.

إذن منهج السلفية يخالف منهج القرآن في الفهم المشروط وفق شروط تخالف كتاب الله ، وهم بذلك لا يختلفون عن غيرهم من الفرق الأخرى التي اتهموها بسوء الفهم والانحراف في العقيدة والابتداع في الدين، فهم من حيث يدرون أو لا يدرون من أسوأ الفرق في سوء الفهم للإسلام ويزيدون عليه بانهم يطعنون ويتهمون من غير مراعاة لأخلاق الإسلام في التعامل مع المخالفين (أذلة على المؤمنين).

وبهدف إحسان الفهم للإسلام، لا بد أن ندرك أن الفهم يتركب من أمور متعددة هي:

·        النصوص بما تشتمله من محكمات ومتشابهات، وقطعيات وظنيات الخ.

·        اللغة العربية وما فيها من الحقيقة والمجاز والألفاظ والتراكيب

·        الواقع المتغير والذي يؤثر في تغير اللغة وتطور الفهم للواقع المذكور مجملا في النصوص لأن النص يعالج الواقع ولكنه يتعرض له بشكل مجمل غير مفصل ويعطي الحكم فيه.

أما بشأن اللغة والمجاز فأقول أن الله عز وجل أنزل القرآن عربياً لا عجمة فيه، بمعنى أنه جارٍ في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب؛وقد نزل بلسان عربي مبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3]، واللغة العربية التي يعقل معانيها العرب تكون في كل شيء من لغتهم سواء في الحقيقة أو المجاز أو الكناية الخ، فلا يجوز نفي وجود المجاز في القرآن بحجة أن هذا تحريف وتأويل وتعطيل ما دامت اللغة العربية تحتمله ويفهمه العربي بسليقته.

أما بشأن الواقع فأقول أن المعاني في اللغة تدل على وقائع محددة يعرفها العاقل من معلوماته السابقة الواقعية وهذه المعاني قد تكون مجملة في وصف الواقع أو مفصلة ولكن الغالب أن القرآن يذكر الوقائع بإجمال، لأن السامع العاقل المتلقي للخطاب يدرك هذه الوقائع سابقا على نزول القرآن فلا حاجة للقرآن إلى تعليمه الواقع بالتفصيل.

وكذلك نذكر بشأن فهم الواقع أن مما يعين على إحسان الفهم للنصوص معرفة أسباب النزول وفهم عادات العرب وفكرهم وأعرافهم وديانتهم قبل الإسلام، ومن الأمثلة أن مشركي العرب كانوا يفرقون بين الرب الخالق والآلهة التي يعبدونها (الأصنام) بذكر الرب على أنه الذي في السماء وبذكر الأصنام على أنهم آلهة من الأرض، وقد خاطبهم القرآن من باب المشاكلة (أأمنتم من في السماء) ومن سوء فهم السلفية أنهم قالوا بالعلو وجعلوا أن الايمان بأن الله في السماء من العقيدة ، في حين أن الله ذم المشركين في وصفهم لله بقوله في آل عمران: (يَظنُّون باللّه غَيْرَ الحقِّ ظنَّ الجاهلية) وقد اتبع هؤلاء ظن الجاهلية.

وبعد الهدم يتم البناء الصحيح لإحسان الفهم مع هؤلاء في قضايا هامة من مثل الأمور التالية:

1.      ضرورة فهم الواقع بشكل صحيح قبل إنزال الحكم الشرعي عليه مثل مصطلح ولاة الأمور

2.      ضرورة تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع المستجدة في السياسة والاقتصاد والحكم وغيره وفهم ما يتعلق بواقع المسلمين من وحدة وإقامة شرع الله بتنصيب خليفة للمسلمين

3.      تذكيرهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحكام ووجوب النصح لهم ومحاسبتهم بشكل علني

4.      وجوب وجود مشروع للنهضة بالأمة وحمل الدعوة الإسلامية بالجهاد للعالم
 

على كل حال فإن هذا المشروع المتعلقب فتح الحصن الفكري المنغلق للسلفية الحنبلية لا بد من العمل عليه بالتفصيل من قبل بعض العلماء خصوصا فيما يتعلق بالأصول التي بنوا عليها أفهامهم ، وهذا الأمر بحاجة إلى تشمير سواعد الجد من أجل العمل على إحسان الفهم للإسلام كمقدمة لنهضة المسلمين النهضة الصحيحة في دولة الخلافة الإسلامية التي ندعو الله تعالى أن يعجل في إقامتها وأن تكون خلافة على منهاج النبوة إنه سميع قريب مجيب.

والحمد لله رب العالمين

ملاحظة: تم نشر هذا الموضوع في منتدى العقاب تحت الرابط:
http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2686&st=20