الأحد، 4 نوفمبر 2012

فتح الحصون الفكرية المنغلقة للسلفية الحنبلية

فتح الحصون الفكرية المنغلقة للسلفية الحنبلية


السلام عليكم ورحمة الله

بالإشارة إلى ما كتبناه في الموضوع السابق بعنوان "منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي الحنبلي " والسؤال الذي طرح (فهل يمكن فتح حصن فكري منغلق كهذا ومتشدد أيضا على من يقف خارجه؟ ) هذا ما نحاول الإجابة عليه هنا إن شاء الله.
 
 ذكر بعض الإخوة لنا تصوره لكيفية التعامل مع الحصون المنغلقة في تفكير السلفية وذكر أنه بوجود وليّ الأمر الحق ( خليفة المسلمين) هو ما يحل مشكلتهم ويفتح أبواب حصونهم، وهذا وإن كان قد يحل المشكلة عمليا لكني لم أقصد الحل العملي، وإنما قصدت الحل الفكري الثقافي. فبارك الله في جهودهم.

كذلك نحن ندرك من دراسة تاريخنا الإسلامي أن هذا الفكر كان موجودا عبر العصور ولم يحارب من قبل الدولة، وخضع اتباعه لخلفاء المسلمين من غير إشكال، وإنما تركته الدولة للرأي العام وقد قال فيه الرأي العام قولته المشهورة: (لا تكون حنبلي) ولذلك لم يكن له وجود هام يذكر في بلاد المسلمين إلا هامشيا، فقد وجد الفقه المالكي شمال افريقيا والاندلس مكانا له، أما الفقه الشافعي فكان له اتباع في مصر وبلاد الشام واليمن والحجاز وشرق افريقيا، أما الفقه الحنفي فكان له اتباع في العراق وتركيا وبلاد الهند. وهذا ما يدل على أن هذا الفكر إذا ترك دون دعم دولة قوية وفقد المال والسوط فسيتلاشى معظم أتباعه وينفض عنه الناس.

وذكر بعض الإخوة ايضا فكرة أن مفتاح عقولهم فكرة الانشقاقات لكنها أيضا ليست حلا، لأن انشقاق السلفية الجهادية عنهم زاد من تعنت اتباع السلفية الوهابية تجاه هؤلاء ورموهم باتهامات خطيرة بأنهم خوارج العصر (كما نعرف من شغفهم بتقسيم للناس لفرق وطوائف).
 

فاين الخلل في هذا النظام المنغلق؟

إذا أردنا أن نفتح الحصن الفكري المنغلق للسلفية، فعلينا النظر في الأصول التي اعتمدوا عليها والحصون التي حصنوا انفسهم بها، ثم معرفة مدى مصداقيتها من ناحية شرعية، وأن نقر منها ما كان مشروعا وأن نهاجم منها ما كان منكرا أو ظنيا، ويذكرونه على أنه حق لا مرية فيه، وبذلك ربما نفتح الابواب الموصدة من هذه الحصون.

فمن فهمنا لسنن الله تعالى في الكون والمجتمعات نعرف أن من ميزات النظام المنغلق أنه لا يتأثر ولا يتفاعل مع المحيط ويتجاهل الاعتبارات الخارجية وليس فيه أخذ ورد (عبرة وتصحيح للمسار)، ولا يميل إلى المحافظه على استقراره وتوازنه بعكس النظام المفتوح. وندرك أيضا بأن النظام المنغلق وبهدف المحافظة على الاستمرار والاستقرار يبتعد عن عن التعامل مع العوامل المتغيرة في محيطه، ويحبذ التعامل مع الأمور الثابتة المستقرة التي لا تتغير (مثل العقائد والعبادات)، وبالتالي فهو يعاني من الجمود والتقليد للسابقين ويحارب التحسين والتطوير لأنه يظن بأنه ليس بالإمكان ابدع مما كان (على عهد السلف من أفهام).

والأصول التي يمكن التعرض لها بالنقد هي: فهم السلف للنصوص، أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية، الخلاف المشروع في الظنيات دون القطعيات، الحقيقة والمجاز في اللغة والقرآن، البدعة.

وهذه الأفكار في الأساس مبنية لديهم على سوء فهم للإسلام، يؤدي إلى ما نراه في سلوكهم من سيئات، وبالتالي فإن الحل يكمن في مناقشة هذه الأصول عند السلفية، وإذا تبين لهم أن أفهامهم مرجوحة لهذه الأمور تنهار باقي الأفكار التي بنيت عليها والسلوكيات المتشددة ضد غيرهم، وبذلك  يكون دك الحصون قد افلح، وبعدها يصار إلى البناء الصحيح للمفاهيم.

والأصول الحصينة التي يمكن دكها كما يلي:

1.      مصطلح اهل السنة والجماعة المرتبط بالفرقة الناجية ليس هو الصحيح، فهذا ليس دليلا شرعيا والمعتبر فقط إنما ما عليه النبي وصحابته فجميع المسلمين ناجون ما اتبعوا النبي عليه السلام وإجماع الصحابة ولا عبرة بما اتفق عليه الناس بعد ذلك.

2.      الفهم للنصوص والاستنباط منها ليس متعلقا بجيل يسمى السلف بوصفه الأقرب للصواب، فليس على ذلك دليل قاطع أو راجح، فلا دليل على وجوب اتباع السلف بل من يؤخذ منهم هم اجماع الصحابة دون اجماع غيرهم، فليس عمل أهل المدينة دليلا مثلا. وكذلك تدبر في قوله عليه الصلاة والسلام (رب مبلغ اوعى من سامع) والمبلَّغ ليس فقط زمن النبي بل في كل العصور ممن يبلغه الحديث فيكون أوعى ممن سمعه من الصحابة فلا حصر فيهم، أما ما ورد من أحاديث في خيرية القرون الثلاثة الأولى مثل قوله عليه السلام فيما رواه البخاري: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ... إنَّ بعدَكُم قوماً يخونون ولا يُؤْتَمنونَ ، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون ، ويَنْذِرونَ ولا يِفونَ ، ويَظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ "وحديث آخر يذكر (...ثم يفشوا الكذب) فهذه الأحاديث ليس فيها دلالة على أن خير الفهم للإسلام يكون في القرون الثلاثة الأولى، بل يدل على أن الخيرية في العمل والسلوك مثل الأمانة والصدق في النقل والوفاء بالنذور، ولا دلالة فيه على أنهم أحسن الناس فهما بل فيها دلالة على صدق الرواية ونقل الأحاديث.

3.      جواز الاختلاف في الظنيات والفروع الاجتهادية من غير إنكار ما دامت وفق الأدلة الشرعية وللمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر، والتأدب مع المخالفين وعدم كيل الاتهامات والتشنيع باعتبارهم مبتدعة ثم تسويغ الافتراء عليهم وتحريف كلامهم

4.      عدم التسليم لهم بتقسيم المسلمين إلى فرق وطوائف مختلفة، ثم الصاق التهم بهم لتسويد صفائحهم وتسويغ ابعادهم وعزلهم ثم شتمهم، بل يجب التركيز على ما يجمع المسلمين وليس ما يفرقهم.

5.      التعرض بشكل مركز لفكرة انحراف الفهم لديهم مثل إنكار المجاز في القرآن واعتبار التأويل من التحريف والتعطيل، والتركيز على لغة العرب جميعا بحقيقتها ومجازها وعدم جواز الاقتصار على جزء منها فهذا تحكم من غير دليل، ورفض اعتبار تعريف المشكلة هي في التأويل والتعطيل

والخلاصة هو أنك كمسلم عندما تناقش مسلما تفترض من باب إحسان الظن بالمسلمين أنه إذا دعي إلى قول الله ورسوله أن يقول سمعنا وأطعنا، ولكن وللأسف فهذا وإن أدعي هذا عند السلفية الوهابية ولكنه ضيق وحرف بشكل لا يؤدي الغرض منه فيشترطون شروطا على الفهم للأدلة التي تأتي بها بحيث تؤدي إلى النتيجة المعروفة لديهم سلفا، فأنت لو ناقشت بالدليل الشرعي فرأيك غير مقبول إلا إذا كنت على مذهبهم، أو كان كلامك يتوافق مع ما عليه مذهبهم، أو أتيت بدليل يدل على دليلك من خلال فهم السلف (الحنابلة وأهل الحديث)، فهذا يدلك على مقدار التعصب للمذهب من غير إدعاء وجود التعصب من خلال وضع الشروط على الفهم مما يخل بالفهم.

للاسترشاد الصحيح للرد والتفنيد وتحطيم الحصون، يجب علينا النظر في كتاب الله القرآن الكريم، لنجد بعض الأمثلة المشابهة التي ذكرها ربنا جل وعلا حول طبائع بعض الأقوام الذين يتميزون بصفات تتشابه مع ما عليه هؤلاء، ومنهم الأقوام الذين ورد ذكرهم في كتاب الله والأقوام المتشابهون مع منهج هؤلاء هم –للأسف- أهل الكتاب -وخصوصا يهود- وكذلك أهل الجاهلية، وإليك التالي:.

قارن مثلا قول الله تعالى في شأن أهل الجاهلية من قريش والعرب في سورةالزخرف: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( 22 ))، قارنه بقول السلفية بوجوب اتباع فهم السلف (الآباء) وتقديم كلامهم على كلام الخلف لأنهم سلف وآباء فقط.

ثم قارن ما قال الله تعالى في سورةالزخرف (قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( 24 ) قارن ذلك برفضهم قبول النقاش وفق أسس الهدى بالاستنباط المباشر من الأدلة الشرعية، وإلزامك بقول الآباء السلفيين حتى ولو كان رأيا ضعيفا أو فهما مرجوحا.

وقارن قول الله تعالى في شأن يهود في سورة آل عمران (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) وقارنه بعدم قبول رأي أي عالم من السلف أو الخلف إلا لمن تبع مذهب السلفية الحنابلة!

وانظر كذلك قول الله تعالى في شأن أهل الكتاب  في سورة آل البقرة: )ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك (145)) فالقضية عندهم ليست قضية دلائل وبينات وآيات تهدي للحق، بقدر ما هي اتباع أقوال السابقين لأنهم سلف الأمة وعلى مذهب أهل السنة والجماعة.

وانظر كذلك قول الله تعالى في شأن المشركين في سورة يونس: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وفي سورة النجم: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً  28) قارنه مع ما عليه السلفية من اتباع الظن في العقائد.

إذن منهج السلفية يخالف منهج القرآن في الفهم المشروط وفق شروط تخالف كتاب الله ، وهم بذلك لا يختلفون عن غيرهم من الفرق الأخرى التي اتهموها بسوء الفهم والانحراف في العقيدة والابتداع في الدين، فهم من حيث يدرون أو لا يدرون من أسوأ الفرق في سوء الفهم للإسلام ويزيدون عليه بانهم يطعنون ويتهمون من غير مراعاة لأخلاق الإسلام في التعامل مع المخالفين (أذلة على المؤمنين).

وبهدف إحسان الفهم للإسلام، لا بد أن ندرك أن الفهم يتركب من أمور متعددة هي:

·        النصوص بما تشتمله من محكمات ومتشابهات، وقطعيات وظنيات الخ.

·        اللغة العربية وما فيها من الحقيقة والمجاز والألفاظ والتراكيب

·        الواقع المتغير والذي يؤثر في تغير اللغة وتطور الفهم للواقع المذكور مجملا في النصوص لأن النص يعالج الواقع ولكنه يتعرض له بشكل مجمل غير مفصل ويعطي الحكم فيه.

أما بشأن اللغة والمجاز فأقول أن الله عز وجل أنزل القرآن عربياً لا عجمة فيه، بمعنى أنه جارٍ في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب؛وقد نزل بلسان عربي مبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3]، واللغة العربية التي يعقل معانيها العرب تكون في كل شيء من لغتهم سواء في الحقيقة أو المجاز أو الكناية الخ، فلا يجوز نفي وجود المجاز في القرآن بحجة أن هذا تحريف وتأويل وتعطيل ما دامت اللغة العربية تحتمله ويفهمه العربي بسليقته.

أما بشأن الواقع فأقول أن المعاني في اللغة تدل على وقائع محددة يعرفها العاقل من معلوماته السابقة الواقعية وهذه المعاني قد تكون مجملة في وصف الواقع أو مفصلة ولكن الغالب أن القرآن يذكر الوقائع بإجمال، لأن السامع العاقل المتلقي للخطاب يدرك هذه الوقائع سابقا على نزول القرآن فلا حاجة للقرآن إلى تعليمه الواقع بالتفصيل.

وكذلك نذكر بشأن فهم الواقع أن مما يعين على إحسان الفهم للنصوص معرفة أسباب النزول وفهم عادات العرب وفكرهم وأعرافهم وديانتهم قبل الإسلام، ومن الأمثلة أن مشركي العرب كانوا يفرقون بين الرب الخالق والآلهة التي يعبدونها (الأصنام) بذكر الرب على أنه الذي في السماء وبذكر الأصنام على أنهم آلهة من الأرض، وقد خاطبهم القرآن من باب المشاكلة (أأمنتم من في السماء) ومن سوء فهم السلفية أنهم قالوا بالعلو وجعلوا أن الايمان بأن الله في السماء من العقيدة ، في حين أن الله ذم المشركين في وصفهم لله بقوله في آل عمران: (يَظنُّون باللّه غَيْرَ الحقِّ ظنَّ الجاهلية) وقد اتبع هؤلاء ظن الجاهلية.

وبعد الهدم يتم البناء الصحيح لإحسان الفهم مع هؤلاء في قضايا هامة من مثل الأمور التالية:

1.      ضرورة فهم الواقع بشكل صحيح قبل إنزال الحكم الشرعي عليه مثل مصطلح ولاة الأمور

2.      ضرورة تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع المستجدة في السياسة والاقتصاد والحكم وغيره وفهم ما يتعلق بواقع المسلمين من وحدة وإقامة شرع الله بتنصيب خليفة للمسلمين

3.      تذكيرهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحكام ووجوب النصح لهم ومحاسبتهم بشكل علني

4.      وجوب وجود مشروع للنهضة بالأمة وحمل الدعوة الإسلامية بالجهاد للعالم
 

على كل حال فإن هذا المشروع المتعلقب فتح الحصن الفكري المنغلق للسلفية الحنبلية لا بد من العمل عليه بالتفصيل من قبل بعض العلماء خصوصا فيما يتعلق بالأصول التي بنوا عليها أفهامهم ، وهذا الأمر بحاجة إلى تشمير سواعد الجد من أجل العمل على إحسان الفهم للإسلام كمقدمة لنهضة المسلمين النهضة الصحيحة في دولة الخلافة الإسلامية التي ندعو الله تعالى أن يعجل في إقامتها وأن تكون خلافة على منهاج النبوة إنه سميع قريب مجيب.

والحمد لله رب العالمين

ملاحظة: تم نشر هذا الموضوع في منتدى العقاب تحت الرابط:
http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2686&st=20
 

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ايها الإخوة
يفضل عند الاطلاع وقراءة من يكتب في الثقافة الإسلامية الانتباه إلى الخلفية الفكرية للكاتب فذلك يعين في فهم منهجية الكتابة والبحث، وكذلك يمكن رؤية الخلاصة التي يرمي إليها الباحث، والأهم تشخيص الخلل والزيغ.
وهناك بعض الكتاب يكتبون ويطعنون في غيرهم ومنهم أتباع المدرسة السلفية، وهذه المدرسة السلفية لها خصائصها ومنهجيتها في الحكم على الأشخاص والأفكار، ومهما حاول الكاتب أن يكون نزيها فإنه سيقع في أخطاء منهجية نابعة من طريقة تفكيره المستندة للمنهجية الفكرية لمدرسته السلفية
هذه المدرسة السلفية هي امتداد لمدرسة أهل الأثر التي تركز على النصوص والآثار وتكره القياس والرأي، وكل هذا لا مشكلة فيه ابتداء، لكن هذه المدرسة تأثرت بمنهجية ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وهي مدرسة تجذرت فيها الرؤية الحرفية الظاهرية لنصوص الشريعة، ومن أهم مرتكزات هذه المدرسة ما يلي:
·        في الفقه: هم اتباع مدرسة الأثر والإمام أحمد بن حنبل
وترتكز في الفقه على ما يلي:
- الاعتماد على النصوص الشرعية من كتاب وسنة أولا
- الاعتماد بعد ذلك على فتاوى الصحابة
- التخير من أقوال الصحابة إذا اختلفوا وعدم الجزم إذا لم يتبين الراجح
- الأخذ بالحديث الضعيف (والحسن) وهو عندهم أولى من القياس
- القياس للضرورة فقط
- التوقف عن الرأي إذا تعارضت الأدلة
ومما يتميزون به التوسع غير المبرر في مفهوم البدعة وإشعال المسلمين في الخلافات الفقهية البسطية وترك كبرى مشكلات المسلمين السياسية والاقتصادية للحكام يتصرفوا بها كما يشاؤون من غير وجود راي شرعي في القضايا الكبرى إلا وفق ما يأمر بها الحكام علماء السلاطين من أتباع هؤلاء.
·        في السلوك العملي: يعرف عنهم التشدد وعدم قبول رأي المخالف
هناك مشكلة تاريخية مع هذه المدرسة التي تكونت في القرن الرابع الهجري في بغداد، حيث كان أتباع الإمام احمد بن حنبل ذوي كثرة وغلبة، فاستغلوا قوتهم في مناصرة مذهبهم وأصبحوا يتعرضون بالعنف للناس في كل ما يرونه مخالفا للشرع. وتعدوا ذلك إلى مقاومة الشافعية ببغداد والإسراف في أذاهم حتى أحدثوا في بغداد شغبا آلم الناس، وهذا المظهر من اتياع الإمام أحمد والتشدد سبب في نفرة الناس منهم.
وهذه السمعة عن حفاف الحنابلة باقية حتى اليوم عند العوام (لا تكون حنبلي) ولم يكن له في تاريخ المسملين اتباع حتى تبنت مذهبهم الدولة السعودية، وعندها منعوا تدريس جميع المذاهب الإسلامية المخالفة في دولتهم.
·        في العقيدة وعلم أصول الفقه:
المشكلة تحصل عندما يدخل اتباع هذه المدرسة للكلام في العقيدة وأصول الفقه، فتراهم يتخبطون ويتناقضون، فهم ليسوا من أهل علم الكلام ولا من أهل علم أصول الفقه بل هم من أهل الحديث والأثر. ولذلك لا يملكون أدوات الخوض في هذين الأمرين.
ففي العقيدة ضيقوا على الناس الاختلاف في متعلقات العقيدة من الظنيات وأخرجوا الكثير من المسلمين من دائرة الايمان لمجرد الاختلاف معهم في الظنيات كتكفير الصوفية والمعتزلة والشيعة جملة
وكذلك هم ادخلوا الظني في العقيدة بخلاف جمهور علماء المسلمين مثل قولهم بحجية خبر الواحد في العقيدة
وهناك مشكلة في فهم النصوص الشرعية لديهم فيما يتعلق بنفي المجاز في القرآن والأخذ بظواهر النصوص المتشابهة المتعلقة بصفات الله ولذلك يلحقهم بعض العلماء بالمجسمة والمشبهة والحشوية
إدخال العقيدة في الاحكام الشرعية وخلط بينهما بشكل غير صحيح وعدم التمييز بين دليل العقيدة والأصول وبين دليل الفروع.
هذه المدرسة تركز في الفقه وعلم أصول الفقه وفي العقيدة على الأشخاص ومن هو قائل القول لا على فحوى القول، فالمناقشة معهم لا تكون في الأدلة الشرعية والأصولية ولكن في ما يسمونه "فهم السلف" وخصوصا أقوال علماء الحنابلة لا غيرهم.
وهناك مشكلة لديهم في الاقتباس والنقل من اقوال الآخرين، وتقويلهم أحيانا ما لم يقولوا وإلزام الآخرين بمقتضيات لم يقولوها رأوها هم لازمة لقول القائل بالظن وشنعوا على المخالفين بسببها.
·        السياسة والاقتصاد:
يحكم أتباع المدرسة السلفية الوهابية على الشخص الحاكم لا على نظام الحكم ولا شخص القاضي لا على قانون القضاء فلا يهم أن يكون الحاكم يحكم بغير ما أنزل الله ما دام هو كشخص فرد مسلم يقوم بالفروض الشرعية
في العادة لا يتدخلون في أمور الحكم والسياسة وأمور المال (الفصل بين الدين والسياسة والاقتصاد) فهم يتركونها جملة للحكام ويبررون ذلك بأمور يرونها تخدم منهجهم مثل وجوب طاعة أولي الأمر وينكرون على الناس محاسبة الحكام أو النصح لهم علانية أو الخروج عليهم مهما فعلوا.
وغير ذلك الكثير من الأمور التي تميز هذه المدرسة
منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (2)
دواعي ظهور المنهج السلفي:
مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى هو منهج ينتمي إلى مدرسة الأثر والحديث في مقابل مدرسة الرأي وعلى رأسها الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
والمنهج السلفي الحنبلي قام كرد فعل لما شاع في فترة الخلافة العباسية من أفكار تتعلق بالعقيدة مثل خلق القرآن وكلام الله وصفات الله والقضاء والقدر وعلم الكلام عموما، فالمنهج قام أصلا لمواجهة مدرسة الرأي ومواجهة منهج متكلمي المعتزلة الذين كان للعقل والتأويل شأن عظيم في فهمهم للإسلام، وأدى منهج المعتزلة هذا إلى انحراف فكري في فهم النصوص الشرعية.
فقام منهج المدرسة الحنبلية السلفية على الفهم الحرفي النصوصي (مدرسة الأثر)، وأساس هذا المنهج هو الاعتماد على النصوص والمأثورات في مواجهة منهج التأويل، حتى قال بعض اتباع الحنابلة أن التأويل هو الذي أفسد سائر الأديان وحولها عن الاستقامة والسداد.
فاعتبر أتباع المنهج السلفي أن أساس سوء الفهم والزيغ هو التأويل، وكان الرد الطبيعي والحل لهذه المشكلة هو برفض التأويل والرأي والاعتماد على النصوص والمأثورات.
المنهج النصوصي
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يفتي بالحكمين المختلفين لأن لديه مأثورين مختلفين في الموضوع عن الصحابة، ويروى عن الإمام أحمد قوله : "الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي".
لذلك فاعتماد مدرسة الأثر على النصوص والمأثورات وموقفهم من القياس والرأي، لم يكن نتيجة استقراء الشريعة وفهم خاص لها ابتداء، فهو ليس منهجا مؤسسا على أسس من فهم الشريعة اعتمادا على طريقة خاصة استنبطت من القرآن الكريم وطريقته في فهم الأشياء والاستدلال بالأدلة، ولكن هذا المنهج كان رد فعل على مشكلة حدثت في العصر العباسي من تجاوز المعتزلة والمتكلمين لمسائل تتعلق بالعقيدة، و من إكبار العقل وتأويل النصوص مما دفع الحنابلة إلى التشدد في رفض هذا المنهج وبناء منهجهم على أسس تخالف كل ذلك.
لذلك استقر منهجهم على الوقوف عند ظواهر النصوص والآثار، ورفض أن يعمل فيها بالاجتهاد أو القياس أو التأويل حتى عندما تتعارض وتتناقض هذه النصوص والمأثورات ومضامينها. لذلك يروى عنهم قاعدة "لا اجتهاد في مورد النص"
أبحاث العقيدة:
المدرسة السلفية ليست فرقة في العقيدة ابتداء كالمعتزلة أو الأشاعرة "أهل السنة" أو الماتوريدية أو الجبرية أو غير ذلك. بل هم مدرسة في الفقه، وتعتمد هذه المدرسة على الأثر، فهم يعتبرون أهل حديث أكثر من كونهم فقهاء، وجل اهتمامهم يتمحور حول جمع الأحاديث الآثار وتخريجها واهتمامهم بالرواة والأسانيد وعلوم الحديث عموما.
ولكن منهجهم هذا الذي قام كرد فعل على المناهج الأخرى في المجتمع العباسي وخصوصا أهل الرأي والمتكلمين عموما، اضطرهم للخوض في مسائل اعتقادية وأصولية بشكل متقطع وردات أفعال وغير منهجي، فليس من أبحاثهم ابتداء مسائل الاعتقاد وأصول الفقه وأن دخلوا فيها لاحقا، فلا تجد ابتداء عند أهل الحديث أبحاث القطعي والظني والآحاد والمتواتر والرواية والدراية.
فمثلا علماء السلفية على غير مناهج باقي علماء المسلمين ومذاهبهم لا يشترطون في النصوص الدالة على أمور اعتقادية أن تكون متواترة ويقبلون الإلزام في هذا الباب بأحاديث الآحاد ، كذلك يرى علماء السلفية منع إعمال الرأي في النصوص بصرف النظر عن قطعية دلالتها وقطعية ثبوتها
ويقولون "إن الشريعة لم تحوجنا إلى قياس قط وإن فيها غنية عن كل رأي وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها..."
وهذا -كما ترى- جرهم إلى الكثير من الإشكالات كالأقوال المتناقضة في المناسبات المختلفة ورفض التأويل جملة، وإنكار المجاز في القرآن فقط لإغلاق الباب على المعتزلة والمتكلمين لأجل رفض تأويل المتشابه من القرآن المتعلق بصفات الله.
ولأنهم ليسوا من أهل علم الكلام وعلم أصول دين فلم يفرقوا بين أدلة العقائد وأدلة الفقه، والدليل القطعي والظني، والعقل والنقل، وهذا الأمر أوقعهم في تناقضات وإشكالات مما دعاهم للتوفيق ما بينها كالأدلة العقلية والنقلية وهذا أوقعهم في إشكاليات أخرى كبيرة، لذلك ترى في أبحاثهم التناقض في أدلة العقيدة، حتى في مسألة من اختصاص العقل كالاستدلال على وجود الله فقد جعلها ابن تيمية مرة مسألة نقلية وليست عقلية، ومرة أخرى قال بما يناقض ذلك ويخالفه واعتبرها بأنها مسألة عقلية، ومثلا هو يقر بخلق العالم ثم يردف بالقول بقدم العالم بالنوع وهذا التناقض عجيب.
تقديم كلام السلف على الخلف:
وهذا المنهج النصوصي في التعامل مع النص والمأثور اضفى شيئا من القداسة على النصوص وامتد ذلك إلى العصر الذي قيلت فيه النصوص، وتعظيم الماضي خصوصا كلما اقتربنا من زمن الصحابة. وقد تأثر أهل السلف من الحنابلة بذلك فدفعهم إلى تقديم كلام وعلوم المتقدمين على المتأخرين وتقديم كلام التابعين على تابعي التابعين، وكلام الصحابة على كلام التابعين وهكذا
والتقديم للكلام لم يكن بسبب قوة الدليل أو قوة الفهم والاستنباط بل لسبب واحد هو "الزمن" أي القرب من عصر الصحابة، فالمعيار إذن هو الزمن الذي قيلت فيه والأشخاص الذين قالوه (شخصنة المقولات). وهذا أمر مشهور في منهجهم.
تعاملهم مع المخالفين:
طريقة التعامل الحنابلة والسلفيين مع المخالفين ليست كطريقة الشافعي رحمه الله وغيره من العلماء ، فالشافعي رحمه الله يقول: "رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطا يحتمل الصواب" أما لسان حال الحنابلة فهو راينا صواب لا يحتمل الخطأ، ولذلك تراهم يعتبرون قنوت الشافعي في صلاة الفجر بدعة وينكرون على اتباع مذهب الشافعي قنوتهم في صلاة الفجر ويصل بهم الحد من الإنكار إلى المنع بالقوة، وكذلك في مسألة المسح على الخفين وضرب مخالفيهم بالنعال وغير ذلك من المسائل.
فهذه الطريقة في التعامل مع الاختلاف الفقهي في الفروع الظنية، لا ترى فيها فهما جميلا لأصول الخلاف وأدب الاختلاف، فيظهر لك بأن الحنبلي أو السلفي وكأنه يتعامل مع فجرة أو كفرة، ولا يظهر في التعامل مع المخالفين أثر أخوة الإسلام ولا الرحمة، بل ترى القسوة والجلافة خلافا لقول الله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين(المائدة 54) وهذه عادة دعاة السلفية الوهابية غفر الله لنا لهم
والأدهى من هذا الأمر هو بدعتهم وتعمدهم بتقسيم المسلمين إلى فرق وشيع وطوائف من معتزلة ومرجئة وقدرية وشيعة وأهل سنة وجهمية ورافضة ومتصوفة ...الخ، وهذا أمر خطير فيه إشاعة للطائفية بين المسلمين بشكل مقيت، ويمكِّن الكفار من استغلاله أبشع استغلال كما رأينا سابقا في العراق ونراه حاليا ذلك في سوريا وايران ولبنان.
وطبعا إذا كنت سلفيا وأردت أن تعدم شخصا أو حزبا أو هيئة ما، فقط عليك أن تصنفه في خانة ما بذكر أنه من المعتزلة أو المرجئة أو الجهمية ... فهذا يكفي لحرقه وإهدار دمه وتكفيره. اللهم سلمنا يا الله من الفتن وأسلنة الطاعنين.
وكذلك مسألة الفرقة الناجية وافتراق أمة محمد إلى بضع وسبعين فرقة كما افترق اليهود والنصارى حسب ما ورد في بعض الأحاديث، وأنهم هم الفرقة الناجية من المسلمين، ولذلك يخرجون اتباع غيرهم من الفرقة الناجية، مع أن غالبية الفقهاء والعلماء يعتبرون جميع المذاهب الإسلامية من شافعية وحنابلة وأحناف ومالكية، وكذلك الفرق العقائدية من أهل سنة (أشاعرة وماتوريدية) ومعتزلة وزيدية وجعفرية من الفرقة الناجية وليس كل واحد من هؤلاء فرقة غير الأخرى.
هذه الخطوط العريضة -في رأيي – أهم ما يميز اتباع المدرسة السلفية والوهابية من أصول مشتركة، وقد تجد فيهم من يخالف في بعض الأمور بعدما درس وتبين له رأيا آخر، ولكنهم في الأغلب الأعم يسيرون على هذا المنهاج.
ندعو الله للمسلمين جميعا بالهداية والرشاد فهم سيبقوا إخواننا وأهلنا وأبناء أمتنا الإسلامية الواحدة، وإن بغوا علينا ولم يتحملوا خلافا فقهيا أو أصوليا ما بيننا وبينهم،.فنرجوا منهم أن يوسعوا صدورهم للخلاف وأن يترفعوا عن الشتم والتهم ذات القوالب الجاهزة ، وتقسيم الناس إلى فرق وطوائف وأسماء مضى عليها قرون وانتهت، وهم يريدون إحياءها جبرا وكأننا ما زلنا نعيش في زمن ابن تيمية،
ونسوا أن الدنيا قد تغيرت وأن الإسلام في خطر عظيم وأن المسلمين هدمت دولتهم وخلافتهم، وأنهم ابتلوا بأفكار كفر مختلفة عن زمن ابن تيمية من أفكار الشيوعية والاشتراكية والعلمانية والرأسمالية والوجودية والوطنية والقومية وابتلوا بحكام ضرار سموا انفسهم ملوكا ورؤساء وسموا دولهم أما مملكة أو جمهورية أو إمارة أو سلطنة وكل ذلك مما لم ينزل الله به سلطانا.
منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (3)

فيما يتعلق بما كتبناه حول السلفية، وجب الانتباه إلى أننا لم نقصد التعرض لكل شخص وكل فكرة قال بها أحد السلفيين للرد عليها وتفنيدها إن كانت مجانبة للصواب، إنما المقصود هو وضع خطوط عريضة عن طريقة ومنهجية البحث والتفكير عند أتباع السلفية.
فنحن لسنا معنيين هنا بالرد على ما قاله ابن تيمية في ما يتعلق بصفات الله ولا التعرض لما ذكره محمد بن عبد الوهاب للنواقض العشرة للتوحيد ورايه في الولاء والبراء، ولا معنيون بالجامية ولا بالسرورية ولا بالسلفية الجهادية.
العناية تنصب هنا على تبيان منهجية في التفكير والبحث لدى السلفيين عموما كخطوط عريضة، فهم ليسوا مدرسة موحدة ولا متجانسة فكريا ولا سياسيا، وليس لهم تبنيات واضحة محددة ولا طريقة في العمل والإصلاح، وهم ليسوا حزبا سياسيا ولا جماعة منظمة، وإنما هناك شيوخ واتباع وتيار عام يسمى سلفية لذلك تجد عندهم اختلافات وتناقضات فكرية وفقهية وسياسية واقتصادية وغير ذلك.
ما أردنا التركيز عليه في منهجية السفيين فهم الخلفية الفكرية التاريخية لأفكارهم وآرائهم ومنهجيتهم، وهذا يساعدنا في تفكيك وتفسير سبب تشددهم وتشنيعهم على الآراء المخالفة لهم ورمي غيرهم وبكل سهولة بالاعتزال والإرجاء والخروج مما يعني القدح في الأشخاص والهيئات والأحزاب دون وجه حق.
فتراهم يذكرون لغيرهم أوصافا مقيتة مثل الانحراف والاضطراب الشديد والابتداع (وهذا قول بدعيّ شنيع) والأخطاء العقدية والخروج من دائرة الإسلام والغلو ثم الكلام بصيغة المجهول أحيانا وبضمير الغائب والبعيد أحيانا أخرى مما يوحي للقارئ بشكل نفسي وغير مباشر أن ذلك المذكور "أدناه" ذو شناعة وقذارة وسوء أخلاق وسوء فهم وسوء رأي وفكر وبالتالي فلا يؤخذ منه دين ولا فقه ووجب اعتزاله ومنعه من الفتيا والكلام وإلا فالضرب به أولى.
وكذلك ينسبون إلى انفسهم إدعاء الحق الذي لا مرية فيه، وأنهم هم أهل السنة فقط وأن كل من خالفهم ليس من أتباع الفرقة الناجية، فيرمون من خالفهم بانهم معتزلة وجبرية ومرجئة وخوارج وقدرية ورافضة وغير ذلك من الأوصاف التي توحي بالاستقذار والنفي والطرد للمخالفين.
كل هذا الطعن والغمز واللمز نرى أنه مما يخالف فقه الإسلام في التعامل مع المسلمين المخالفين في الفروع والتعامل مع الآراء الشرعية المختلفة (أشداء على الكفار رحماء بينهم) فغياب الرحمة وأدب في تعاملهم مع المسلمين له أسباب أردنا وضع الاصبع عليها.
ومما يحز في النفس كثيرا هو عدم النزاهة العلمية في النقل عن المخالفين أو الافتراء عليهم أو تقويلهم ما لم يقولوه أو الفهم الغريب للكلام ثم البناء عليه والرد بالتشنيع والتغليط. ولله در القائل للقاعدة الذهبية (أن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدعيا فالدليل).
ومن الطبيعي أن يحمل هذه الآراء اتباع هؤلاء المشايخ دون رجوع للمصادر الأصلية ودون روية ولا انعام نظر، ثم يرمونك بأبشع التهم، مما يولد لديهم ولدى من يستمع إليهم أحقادا وغلا للذين آمنوا وهذا مما يؤسف له حقا، فلو ناقشوك بشكل علمي منهجي يظهر فيه أدب الإسلام في الاختلاف والالتزام بالأحكام الشرعية لكان خيرا لهم، فندعو الله لنا ولهم بالهداية وأن يكونوا ذوي رحمة بالمؤمنين وأن لا يجعل في صدور الجميع غلا للذين آمنوا.
وبناء على هذا المنهجية المذكورة أعلاه، تستطيع فهم كيفية ومنهجية تعامل اتباع المدرسة السلفية في البحث ومناقشة الغير، وتفهم سر هذا التشدد والشطط في التعامل مع المخالفين، وبالتالي تعذر أصحاب المثل الشعبي القائل (لا تكون حنبلي).
والله الموفق وعليه التكلان.
منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (4)

 
لذلك فهذا الكلام ليس ردا على أي شخص بل هو توضيح لمنهجين مختلفين ، منهج سلفي فيه من سوء فهم الإسلام ما فيه، ومنهج آخر قام لإحسان سوء الفهم هذا ورسم الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج. ونحن ندرك ان اتباع أي منهج  يناقش من خلال منهجه ولا يخرج عنه، لذلك فهو غير نزيه في قوله بأنه يناقش بتجرد فهو غير أهل لذلك بسبب تبعيته غير المستنيرة لغيره من السابقين من الحنابلة ومن السلفيين والخلفيين.
فلا يجدر به أن يعيب على غيره اتباعه منهجا آخر في الفهم لأنه يعيب على نفسه أولا، فالكل منا ومن غيرنا له منهج يتبعه ولكل منهج منظروه وعلماؤه ومفكروه، وليس هناك منهج يناقش بحيادية مجرده، ومن يدعي ذلك فادعاؤه فج وغير مؤسس على قواعد سليمة اللهم إلا الوهم، بل لكل منهج علمي أو فكري أسس يعتمد عليها، ومن ناقش بغير أساس فهو واهم وضائع.
وأنا أريد هنا أن أوضح فقط الخطأ المنهجي الذي يقع فيه من يناقشنا وغيرنا من خلال زاوية معينة بنظر فيها للأمور ويقيس من خلال نظارات هذه الزاوية التي يضعها على عينيه ويحكم على غيره من خلالها، وهو يظن أن منهجهه الذي يقلده هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وذلك لسبب واحد وهو أنه يسمى منهج أهل السنة والجماعة، أي بسبب الاسم لا المسمى،
وعلى كل حال فأول من سموا انفسهم بأهل السنة هم الأشاعرة وليس الحنابلة، ولكن بعد غلبة منهج الأشاعرة وضمور منهج المعتزلة، صار الكل يدعي بأنه على منهج أهل السنة وأضافوا إليه لفظة "الجماعة" فأصبح يسمى بمنهج أهل السنة والجماعة.
ولذلك فنحن لن نناقش أي شخص بوصفه الشخصي ولا لكلامه الذاتي، فهذا الكلام الذي يذكره -هو في أغلبه- قد ناقشه وما زال يناقشه علماء الأمة منذ أكثر من ألف سنة وهو خلاف معروف بين المدارس الفقهية والأصولية والعقائدية، والطعن والغمز واللمز بالشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى وحزب التحرير هو في الحقيقة  ليس خاصا بحزب التحرير بحيث توجه سهام النقد للحزب تحديدا، ولكنه خلاف مع الأمة وتاريخها وعلمائها وصحابتها وتابعيها وخلفائها، فآراء الحزب التي انتقدها بعضهم جميعا هي آراء لعلماء أفذاذ ممن سبقوا الحزب بمئات السنين، ولكن مشكلتهم أنهم لم يكونوا من أتباع المدرسة السلفية الوهابية الحنبلية.
والذي ميز حزب التحرير عن غيره في العصر الحديث، أنه درس جميع الآراء الإسلامية التي سبقته وتبنى منها ما رآه صوابا وفق منهجية محددة، واستبعد الآراء الضعيفة والشاذة مما تبناه، وقد وضح الحزب هذه المنهجية في أدبياته. وكذلك قام الحزب بتبني آراء جديدة فيما يتعلق بما جد من شؤون الدنيا سواء في السياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الدولية أو الحكم أو الاجتماع، ثم رد عليها من زاوية شرعية وفكرية ليكون فكر تجديديا وإسلاميا خالصا، وقام الحزب أيضا بإنزال الأحكام على وقائعها بعد فهم الواقع بشكل صحيح مستنير ليصبح هذا الفكر سياسيا يعالج الواقع.
وحمل الحزب دعوة الإسلام في المجتمع في مواجهة جميع التيارات المخالفة للإسلام، وكان يجب أن يكون الحمل للإسلام حملا سياسيا ليكون الإسلام هو الأساس في المجتمع وليحل محل الفكر العلماني الديمقراطي الرأسمالي المتركز في المجتمع، وكان يجب أن يكون هذا الحمل سياسيا واقعيا وليس أكاديميا مدرسيا لا علاقة له بالواقع.
والحزب قبل أن يتبنى أي فكرة أو حكم شرعي قام بواجبه الأصلي المطلوب من المجدد، فأول أمر يهم المجدد أو الحزب السياسي المبدئي أن يدرس مشكلة المسلمين في العصر الحاضر ومن ثم يجب أن يحددها ليوجه العلاج الشرعي الصحيح إليها، وليست أبحاث الحزب بغرض البحث الأكاديمي والبحث العلمي المنقطع عن الواقع كما يفعل غيره، بل أبحاثه كلها تصب في معالجة مشكلة المسلمين كما درسها وحددها بدقة،
فالحزب لم يعتبر مشكلة المسلمين في أصلها مشكلة في العقيدة كما يتصور اتباع المنهج السلفي الحنبلي ولا مشكلة في البدع، وكذلك ليست المشكلة مشكلة اقتصادية في الأساس ولا مشكلة حكم وسياسة بل أساس جميع ما يعانيه المسلمون ينبع من سوء الفهم للإسلام ثم سوء التطبيق.
فالحزب قد أدرك من أول يوم أن مشكلة المسلمين هي سوء الفهم للإسلام أو هي الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام، فكان لا بد للحزب من أن يتصدى لهذه المشكلة ويعالجها، فبعد الدراسة والبحث والنظر في تاريخ المسلمين حدد الحزب أسباب هذه المشكلة في عوامل عديدة منها: دخول الفلسفة الاغريقية وعلم المنطق على الإسلام ونشوء علم الكلام، ومنها دس الحاقدين على الإسلام بالكذب على حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها إغلاق باب الاجتهاد، ومنها فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، ومنها دخول الفلسفة الهندية ونشوء الصوفية ومنها الفلسفة الفارسية ومشكلة الوراثة في الحكم كما فعل معاوية بن أبي سفيان في توريث ابنه يزيد للحكم، ومنها الغزو الفكري للحضارة الغربية لأبناء المسلمين في العصر الحديث قبل هدم الخلافة، ومنها هدم الخلافة والاحتلال العسكري المباشر لأراضي المسلمين من قبل الغرب الكافر ومباشرة تطبيق أحكام الكفر في ديار الإسلام وغير ذلك من الأسباب.

هذا هو مشروع حزب التحرير الحضاري فهو يريد أن ينهض بالمسلمين النهضة الصحيحة وأن يطبق شرع الله بإقامة الخلافة الإسلامية وأن يوحد بلاد المسلمين في دولة واحدة وأن يحرر المغتصب والمحتل من بلاد المسلمين، ثم تقوم دولة الخلافة باستئناف الفتوحات الإسلامية لديار الكفر لنشر رسالة الإسلام رسالة هدى ونور للعالم أجمع كما أمرنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا رسوله عليه الصلاة والسلام.

لذلك فنحن لا نرى وجود آراء إسلامية مخالفة لمنهج الحزب قضية مصيرية يجب القضاء عليها وبذل الجهود والأوقات لتبيان عوارها ما دامت آراء إسلامية، وما نقوم به هو توضيح وعلاج لسوء الفهم للإسلام الذي يعاني منه المسلمون، لذلك فموقفنا من المسلمين هو موقف الإسلام والحكم الشرعي، وهذا بالضبط موقفنا من أي مسلم فهو أخ لنا في دين الإسلام ونخفض جناحنا له ولا نطعن أو نسب بل ننصح ونوجه ونذكر له أين الخلل في فهمه للإسلام.



منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (5)


إشارة لما سبق الحديث عنه، فإنني أود هنا أن أركز على نشوء مدرسة الحنابلة في العقيدة المسماة حاليا بالسلفية بكافة أشكالها، وبعد فهم تاريخها وأسباب نشؤوئها ومنهجيتها في البحث نستطيع تحليل وتفكيك طريقة التفكير هذه المدرسة وتبيان أين الخلل فيها وكيف تساعد هذه المدرسة على سوء الفهم للإسلام وكيف أجرمت في إبعاد الناس عن الحكم بما أنزل الله بسبب تبعيتها لحكام الجور والظلم، ومحاربتها الشديدة لعودة الخلافة من خلال توجيه اتباعها إلى نقاش سفاسف الأمور، والابتعاد عن نقاش الأمور الحقيقة الصحيحة التي تهم المسلمين، وترك أمور الحكم والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية لحكام ظلمة أذناب للغرب الكافر المستعمر يسمونهم زورا وبهتانا بأولياء أمور كما نرى في بعض دول المسلمين التي ينتشر فيها مذهب الحنابلة السلفيين.

وعود على بدء نقول أن بداية سوء الفهم للإسلام الذي ذكرناه أعلاه في القرن الثاني للهجرة قد ترافق مع ظهور بعض التيارات الفكرية والفرق في تاريخ المسلمين بسبب تأثر المسلمين بأفكار من الفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية، مما أدى إلى نشوء المتكلمين وعلم الكلام، وبروز تيار المعتزلة في الدولة العباسية وكذلك نشوء الطرق الصوفية والمغالاة التي وقعوا فيها.
وندرك كذلك رد الفعل الطبيعي للأمة الإسلامية حيال ذلك، والذي أدى إلى نشوء فرق أخرى للرد على المتأثرين والمغالين، فنشأ أهل السنة (الأشاعرة والماتوريدية) للرد على المعتزلة والفرق الأخرى، بهدف كبح جماح اندفاع المعتزلة في أقوالهم بخلق القرآن وصفات الله والقضاء والقدر وغيرها من المسائل العقائدية، ولكنهم وقعوا في أخطاء منهجية في أبحاثهم لأنهم ردوا على نفس الصعيد وباستخدام علم المنطق والأفكار الفلسفية في الردود. فوقعوا في أخطاء، لكن الجميع بقي في دائرة الإسلام ولم يخرج عنها، وقد درس الحزب منهجيتهم وألف فيها ووضح أسباب الخطأ المنهجي، وللمراجعة يمكن الرجوع إلى كتاب الشخصية الإسلامية في جزئه الأول.

في تلك الأثناء كان هناك فريق آخر يشاهد كل هذا ويراقبه وهم فريق مدرسة الأثر أو أهل الحديث، وهم فريق ممن لا يُعنون ببحث الأمور العقائدية والفكرية ابتداء، لأنها ليست من دائرة اهتماماتهم وتخصصهم، لكنهم رأووا في ما يحدث من خلافات فكرية وعقائدية في العراق وما جاوره بأنه يمس إسلام كل مسلم فأرادوا أن يكون لهم دور في الردود، ولكن تدخلهم لم يكن تدخلا كليا شاملا ولا منهجيا مبنيا على أصول، وإنما كان فقط تدخلا عند اشتداد الأزمات، كمسألة خلق القرآن وصفات الله، فكان الموقف العظيم للإمام أحمد بن حنبل أمام تيار المعتزلة وبعض خلفاء بني العباس في مسألة خلق القرآن وكذلك بعض الآراء فيما يتعلق بمسألة صفات الله.

لكن عموما لم يكن دخول أهل الحديث على النقاشات الفكرية بين الفرق الإسلامية من معتزلة وأهل سنة (أشاعرة) وجبرية ألا تدخلا عابرا ولوقف الاندفاع تجاه الآراء الكلامية المتأثرة بالفلسفة اليونانية، وهم عموما رفضوا علم الكلام وعلم المنطق، والملاحظ في ردودهم أنها كانت أيضا ردود أفعال من غير منهجية واضحة في تناول القضايا العقائدية، ولا لوم عليهم لأنهم لم يكونوا فرقة في العقيدة وإنما كانوا أهل حديث ورواة له، اهتموا بجمع الأحاديث وتخريجها وتصنيفها وجهدهم في ذلك مشهود ومشكور في تاريخ المسلمين، وقد اعتبر أهل الحديث (الحنابلة) جمع أحاديث النبي والذب عن سنته ومحاربة البدع أولوية لهم ولم يكن لهم جهد كبير في أبحاث العقيدة وعلم التوحيد وعلم أصول الفقه.

بقي هذا هو الحال بعد وفاة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سنة 240 للهجرة حتى القرن الرابع والخامس الهجري، حيث كان أتباع الإمام احمد بن حنبل في بغداد ذوي كثرة وغلبة، فاستغلوا قوتهم في مناصرة مذهبهم وأصبحوا يتعرضون للناس بالعنف في كل ما يرونه مخالفا للشرع. وتعدوا ذلك إلى مقاومة غيرهم والإسراف في أذاهم، وهذا المظهر من اتباع الإمام أحمد والتشدد سبب في نفرة الناس منهم. وهذه السمعة عن جفاف الحنابلة باقية حتى اليوم عند العوام

وفي القرن الرابع الهجري بدأ يظهر للحنابلة مدرسة في العقيدة وعلم التوحيد وقد رفضوا تفويض صفات الله تعالى وأثبتوا لله اليد والوجه والعين وغيرها ورفضوا المجاز في القرآن الكريم منعا لتحريف صفات الله كما ادعوا، وقد اتهمهم خصومهم من فرق أهل السنة الأخرى بالتجسيم (وسموهم الحشوية)، وكان منهم ابن حامد الوراق ويعد أول الحنابلة المجسمين وتوفي 403هـ، وجاء بعده أبو يعلى الفراء وابن الزاغوني كل هؤلاء إدعوا أن مذهبهم في التجسيم هو مذهب الإمام أحمد وبالتالي مذهب أهل السنة والجماعة، ثم جاء ابن تيمية بعد قرون (القرن السابع) وأحيا مذهب هؤلاء الثلاثة وادعى ادعائهم، وأدعى أن مذهبه هو مذهب أهل السنة وشنع على مخالفيه.

وما نراه اليوم من منهجية للسلفيين الوهابيين والحنابلة عموما في البحث والتأليف والنقد يرجع في معظمه إلى مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
ولم يكن لهذه المدرسة السلفية أتباع كثر إلا بعد تحالف محمد بن عبد الوهاب مع ابن سعود بعد أن قام الأخير قام بالتعاون مع حكومة شركة الهند الشرقية ضد الخلافة العثمانية، وبعد تأسيس هذه الدولة بالتعاون مع الانجليز صار لها اتباع في نجد والحجاز وباقي مشيخات الخليج، ثم انتشر اتباعها في باقي المناطق بواسطة الدعم المالي من هذه الدول النفطية، وبعد دراسة العديد من الطلاب في مدارس هذه الدول وعودتهم لبلدانهم، وكذلك هناك سبب آخر ألا وهو رغبة حكام العرب وغيرهم في محاربة بعض الحركات الإسلامية فتم استغلال تيار السلفية الوهابية ضد هذه الحركات كما فعل حكام مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وبذلك صار لهم انتشار وحضور في مناطق لم يكن لهم في اتباع.

وبعد هذه اللمحة التاريخية يتبين لنا بشكل واضح ضيق الأفق عند اتباع هذه المدرسة خصوصا في التعامل مع مخالفيهم، وإنكارهم أو عدم اعترافهم بشرعية الخلاف في الظنيات بين المدارس الإسلامية وبأنه أمر مستساغ ومشروع ما دام يستند إلى دليل أو شبهة دليل، وكون الرأي يعتبر فهما إسلاميا راجحا كان أو مرجوح، فهم لا يستسيغون الخلاف الفقهي والشرعي والعقائدي في الظنيات. وبذلك خالفوا منهج النبي عليه السلام وصحابته الذي تعتبر المجتهد المخطئ له أجر في الشريعة إن كان الأمر يتعلق بالظنيات وما فيه مشروعية في الخلاف بين المسلمين. وذلك استنادا إلى أدلة شرعية كثيرة ومنها ما رواه البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ).

إذن نحن ندرك بأن الكثير من أتباع هذه المدرسة السلفية الحنبلية الحديثة يعانون من سوء الفهم للإسلام، وهم جزء من المشكلة التي يعاني منها المسلمون حاليا، وهذا يفسر وقوفهم أمام دعوة الحزب بوصفها دعوة سياسية تريد تغيير المجتمع وإزالة الحكام وإقامة الخلافة، وهذا ما لا ترضاه بعض الدول القائمة في العالم الإسلامي، ولذلك تقوم هذه الدول بتوجيه الكثير منهم بالرأي والمال لحرب فكرة الحزبية الإسلامية وترك السياسة والاقتصاد لفجور الفاجرين من الحكام، ويحاربون دعاة التغيير والخروج على الحكام الجبريين.


منهجية البحث عند اتباع المذهب السلفي (6)


بعد شرح تاريخ وظروف نشأة الفكر السلفي وبعض ما يتميز به، نود أن نتقدم خطوة أخرى للأمام ولكن قبل ذلك دعونا نلخص أبرز ما يميز الأصول الفكرية لمذهب السلفية الحنبلية:
·        وجود قواعد معينة في الأخذ من مصادر التشريع وخصوصا الاعتماد على الآثار والنفور من الاجتهاد والقياس.
·        يقوم الفهم على الاعتماد على النص بظاهره ورفض التأويل وعلم الكلام وتسخيف العقل. وكذلك تضييق دائرة الظنيات في النصوص الشرعية.
·        وجوب تتبع أقوال وآثار علماء "السلف" واعتبارها الأساس في فهم النصوص الشرعية
·        اعتبار مذهب أهل السنة والجماعة بأنه الحق وأنهم الفرقة الناجية
·        عدم مراعاة أصول الخلاف وأدب الاختلاف مع آراء المخالفين في الفهم للمذهب واعتبارها إما بدعية أو منحرفة

والهدف من هذه الطريقة هي حصر الشرعية في مذهبهم، واعتباره الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن من يخرج عنه فكأنما خرج من الفرقة الناجية إلى جهنم، وبذلك يضمنوا ولاء وتمسك الاتباع والتقليد والاقتداء بأقوال السابقين.

ثم يحيطون هذه الأصول الفكرية بأمور أخرى تحصنها مثل:
·        وجوب محاربة الفرق المخالفة التي يسمونها أهل البدع والأهواء، واعتبار التشنيع عليهم وتتبع عوراتهم فضيلة محمودة.
·        حصر علماء السلف الذين تؤخذ أقوالهم بأتباع المدرسة الحنبلية السلفية في الفقه وأصول الدين.
·        إخراج الفرق الإسلامية المخالفة لهم من مسمى أهل السنة والجماعة، كالأشاعرة والماتوريدية والمتكلمين وكأهل الرأي من الأحناف وغيرهم وكذلك الصوفية، من قديم هؤلاء وحديثهم، ثم عدم الاعتداد بآرائهم. واعتبارها ممن لا يعول عليه بشيء.
والهدف أن يؤدي هذا إلى رفض جميع الأقوال المخالفة لآرائهم -وكأنهم يحرمون وجود أي رأي شرعي أو فقهي مخالف وإن كان في الظنيات- باعتبارها من البدع، وهذا يؤدي إلى تضييق دائرة من يعتد برأيهم ويؤخذ كلامهم، وبالتالي حصرهم في دائرة مغلقة. وإذا جاريتهم في نقاشهم واستدلالاتهم واستشهدت بكلام لأحد علماء السلف يبدأون يصنفون ويخرجون قوله من دائرة أهل السنة وبالتالي رفض أقواله باعتبارها ليست على مذهب الفرقة الناجية

 إذن نرى أن منهجهم في النقاش يقوم على الآتي:
إن ناقشتهم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ووضحت لهم أدلتك الشرعية ووجه الاستدلال وكيفية الاستنباط، رفضوا ذلك وتوجسوا منك، ثم حصروك في أدلة معينة وفق مذهبهم.

ثم إن أتيتهم بفهم معين وفق الأدلة الشرعية المعتبرة في مذهبهم، سألوك من قائل القول؟

فإن قلت لهم هو رأي فلان من المتأخرين، طلبوا منك فهم السلف لا الخلف.

وإن أتيتهم بقول لعالم من السلف على غير مذهبهم رفضوه باعتباره ليس من أهل السنة والجماعة (الحنابلة السلفية).

ثم إن ذكرت لهم احد الأقوال من علماء مذهبهم الحنبلي، البسوه لباس الشذوذ ومخالفة أقوال ما عليه مذهب أهل السنة.
فماذا تفعل معهم؟

الصحيح أن الوضع منغلق والفكر فيه مأزوم وميؤوس منه، إذ لا يمكن النقاش معهم وفق هذه المنهجية التي ابتدعوها حماية لتعصبهم لمذهبهم، لأنك إن ناقشتهم بالعقل في الأمور التي للعقل مدخل فيها من العقائد كإثبات الخالق ردوك إلى النقل، وإن ناقشتهم في النقل والأدلة السمعية أدخلوك إلى منهجية معينة يجب أن تصب وفق أفهامهم.

ولا أقصد أن المذهب منغلق تجاه تذكيره بآيات القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، بل أقصد أنه منغلق ومحصن بانغلاقه على فهمه للأدلة، بحصره هذا الفهم باقوال علماء محصورين من الحنابلة السلفيين، ورفضه الأفهام المتقدمة والمتأخرة ممن عداهم، اي أنه يرفض فتح أبواب الحصن المحصنة لدخول وقبول أفهام جديدة أوعى من القديمة وأوجه استدلال أرجح مما لديهم حتى ولو كانت حقا وصدقا، فقط لأنها أقوال وآراء لمتأخرين تخالف ما عليه سلف الأمة (الحنابلة).
وأن حاولت فتح بعض المغاليق في منهجيتهم الفكرية كمناقشة الفهم القطعي والظني كخبر الآحاد أو مناقشة الآيات المتشابهات في صفات الله وقول غلاة المذهب في التجسيم والجهة وسبب رفض تفويض معاني الصفات، لن تجد معهم قواعد مشتركة أو مسلمات معينة للنقاش لا في العقليات ولا في الشرعيات، اللهم إلا في حالة واحدة إذا سلمت لهم بمنهجيتهم في البحث والاستدلال، وعندها لن يكون هناك نقاش بينك وبينهم بل عليك الالتزام بأقوال وأفهام العلماء السابقين وتحري نقولات مطولة حول قضايا معروفة نتائجها سلفا. فتكون الطريق منغلقة في النقاش.

وإن ناقشتهم في قضايا ومشاكل محدثة ومعاصرة فإنك تقع معهم في خيارين: إما أنهم يسقطوا أفهاما واصطلاحات قديمة على وقائع ليست من جنسها كتسمية حكام العرب والمسلمين بأنهم ولاة أمر ، وتصنيف الناس وفق قوالب جامدة قديمة كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والقدرية والجهمية والروافض وغير ذلك وينسون تصنيفات مثل الشيوعية والرأسمالية والعلمانية والديمقراطية والوجودية والقومية والوطنية.

أو تجدهم لا رأي لهم بهذه القضايا الحديثة ويجيبوك أن هذا الشأن متروك للأئمة وولاة الأمر كقضايا السياسة والعلاقات والقانون الدولي والأمم المتحدة ومثل شؤون المال كالبورصة وملكية النفط وغيرها، فترى العجب العجاب من قوم ينكرون عليك أشد الإنكار لتطويل ثوبك أو حلق لحيتك أو لرأي ظني في فروع الدين، ثم تجدهم في أمور عظيمة تحدد وتهدد مصير الأمة -لم يتبينوا للسلف فيها رأي- ترى أنهم يستبيحونها استباحة ويسلمونها تامة لأعوان الكفار من الحكام كاحتلال بلاد المسلمين وشكل نظام الحكم والنظام الاقتصادي والسياسة الدولية وغيرها.

وعليه وبعد البحث والتفكير وجدنا أن وضع هذه المنهجية الحنبلية السلفية بأنها نظام منغلق تجاه الغير سواء في مناقشة الأدلة العقلية أو الأدلة النقلية او أفهام جديدة، وبالتالي توجد مشكلة حقيقية لدى أهل وأتباع هذا المذهب من انغلاقه على سوء الفهم للإسلام، ثم من إحاطة انغلاقه هذا بتحصين خارجي يغلف هذا الفكر كما ذكرنا أعلاه، ثم اتباع سياسة رمي من هو خارج الحصن بمختلف الأسلحة كما يُرمى العدو الخارجي المحيط بالحصون بالنبال والنار والحجارة ومختلف الأسلحة (أقصد الأسلحة الفكرية مجازا).

فهل يمكن فتح حصن فكري منغلق كهذا ومتشدد أيضا على من يقف خارجه؟ وله من الطبائع التي تحول دون الاستماع واتباع للهدى والحق إلا إذا كان وفق هواهم؟
سؤال كبير في الحقيقة وهو بحاجة للبحث والجد لأجل الإجابة عنه!!

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب، وأبعد عنا الفتن وانغلاق الفطن، ونجنا من سوء الفهم وسوء الخلق، ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

والحمد لله رب العالمين

 هذا الموضوع بعنوان (منهجية البحث عند اتباع المدرسة السلفية الوهابية) تم نشره في منتدى العقاب في شهر 10/2012 تحت الرابط:
http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2935
وكذلك في الرابط: بعنوان أصول تقي الدين النبهاني وحزب التحرير/د.طارق عبد الحليم كالتالي
http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2686&st=40