الأحد، 26 مايو 2013

الرد على تشكيكات من ملحد

الموضوع: الرد على تشكيكات من ملحد
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

كتب أحد الإخوة في منتدى العقاب ردا من ملحد يشكك فيه بوجود الخالق من خلال التشكيك في الأدلة الثابتة على وجود الله، وقد كتبت له ردا على التشكيكات.
أما كلام الملحد فهو كما يلي:
كل ما تريد قوله في اختصار هي انك تقول ان العالم محدود، نعم العالم محدود والمادة فيه نفسها فقط تدور وفق قونين
لكن من اين اتى الكون؟ من عدم ام لا
ان كان من عدم فكيف ياتي الله بشيئ من لا شيئ ؟ كمن ياتي ب 1 من 0
وهل يمكن ان اتي بموجود من عدم اي من لا شيئ ،لا يمكن. وهل يمكن ان اتي بموجود من عدم اي من لا شيئ، لا يمكن
اذن الافتراض المتبقي هو ان الله خلق الكون من ذاته ، ان كان خلقها من ذاته في الفرضين فهو ليس 'صمدا' اما كل باقي فلسفتك فهي فلسفة جمالية اغلبها تلف وتدور
ان كان هذا العالم كما اتفقنا محدودا فكيف كان عدما اصلا وهو محدود في حالته الوجودية
لا يمكن ان ياتي من عدم اذن هو ازلي ولا يمكن لله ان يخلق الكون من ذاته لانه لن يكون صمدا

انتهى رد الملحد على المناقش له!!!
وقد كتبت له ردا كالتالي:
بالنسبة لأسئلة الملحدين كمثل ما ذكرت، فهي عموما أسئلة تشكيكية تنطعية ليس لها قرار، وهي ليست اسئلة فكرية عميقة بحاجة إلى بحث ونظر ثم الإجابة عنها، لذلك فلا أرى أن تشغل نفسك وتشغل أعضاء المنتدى في الرد على امور تشكيكية تافهة لا ترقى لدرجة النظر ثم الرد.

ولذلك فنحن نرى أن لا نحرك فكرا راكدا ساكنا ملحدا لا تستمع إليه الأمة ولا تحترمه ولا تهتم به وتترفع عن الاستماع إليه ولذلك وجب نبذه نبذ النواة.

ولكن وبما أن السؤال قد طرح في المنتدى وأنك أحببت الحصول على إجابة، فأقول لك وبالله التوفيق ما يلي:

إن استدلالنا بأن الكون محدود من ناحية المكان والزمان يثبت بأن هذا الكون غير ازلي قطعا، إذ الأزلي لا حدود له زمانا ولا مكانا ولا حدود لقدرته ولا يمكن أن يخضع لقوانين تتحكم في تصرفاته وتجعل منه عاجزا!!!

وبما أن الكون محدود فهناك من وضع له هذه الحدود، وهو بالتالي عاجز عن تخطي هذه الحدود التي وجد فيها، وهو من زاوية ثانية خاضع لقوانين وأنظمة ونسب محددة تتحكم فيه وفي حركته ولا يتحكم هذا الكون فيها، وبالتالي فهذا يثبت أن هذا الكون المحدود عاجز أي له صفة العجز.

وبما أن الكون المحدود عاجز عن الخروج عن الحدود التي وجد فيها فهو ليس بأزلي، أي أنه وجد في زمن معين وبحدود معينة من قبل غيره.

أي أن محدودية الكون تعني أنه لم يكن موجودا في لحظة معينة ثم وجد، وهو الآن موجود وهذا يعني بالضبط أنه مخلوق، فالمخلوق هو الشيء الذي وجد في لحظة معينة بعد أن كان غير موجود. وبالتالي هذا يثبت قطعا أن الأشياء الموجودة التي نحس بها هي مخلوقة لأنها محدودة وعاجزة عن الخروج عن حدودها وبالتالي هي أعجز عن أن توجد نفسها بنفسها قبل وجودها.

والسؤال هو من أوجدها؟
وقبل ان نقفز إلى الإجابة التي يرفضها الملحدون وهي أن نجيبهم بالقول بأن الذي خلقها هو الله، فإن الاستنتاج العقلي يتدرج في الإجابة كي لا يقفز أحد جاهل مثل من تنقل عنه ويتقول ما يتقول دون فهم ولا وعي.

ان السؤال حول من أوجد الأشياء طبيعي في الفكر الإنساني لأن كل البشر يشعرون بمحدودية وعجز واحتياج الأشياء وبالتالي هناك إقرار بأنها وجدت بعد أن لم تكن موجودة، وحتى أقوى نظريات العلوم الفلكية الحديثة تقول بنشوء الكون بعد الانفجار العظيم (Big Bang) قبل 13.8 مليار سنة

ولكن لا يقوم استدلالنا هنا على هذه القضايا على النظريات العلمية بل على يقوم على إدراك الواقع وعلى مقتضيات العقل وقوانين التفكير.

ولذلك فعندنا يقين بأن الكون محدود وأنه وجد بعد أن لم يكن موجودا وأنه عاجز عن ايجاد نفسه بنفسه وقطعا هناك قوة ما أوجدته طبقا لمبدأ السببية (سبب يولد نتيجة) التي تقر بها جميع عقول البشر وتقوم عليها جميع التغيرات في الكون فلا تغير بدون سبب مغير (بكسر الياء المشددة).

والبحث الآن يسلط على القوة القادرة التي تستطيع ايجاد هذا الكون بعد أن لم يكن. وهذا البحث يستلزم عقلا أن تكون هذه القوة قادرة على ايجاد الاشياء من لا شيء يعني القدرة على الخلق، أي أن هذه القوة هي قوة قادرة على الخلق. وبالتالي فهذه القوة هي الخالق الذي خلق الكون من لا شيء -اي من العدم- وأنها أوجدته بعد أن لم يكن موجودا وجعلته محدودا في الزمان والمكان وخلقت فيه الخاصيات والصفات وخلقت القوانين والأنظمة التي تتحكم في تغيره وانتقاله من حال إلى حال، أي أنها خلقت الأسباب المغيرة أيضا أي خلقت الطاقة السببية التي تلزم للتغيير.

الآن هذا الملحد يفترض بأنه لا يمكن أن يأتي شيء من لا شيء، وهذا صحيح وفق مبدأ السببية ولكن الإجابة هي أنه لم يقل أحد العقلاء بأن الكون لم يصدر بدون سبب بل الصحيح أنه صدر من الخالق، أي أن الكون أتى من قوة تستطيع ايجاد الأشياء بذاتها وإلا كان مستحيلا أن يوجد ما نراه حولنا من الكون والأشياء، ولكن وبما أن الأشياء موجودة قطعا ونحن نحس بوجودها في الواقع فبالتالي يكون وجود خالق خلقها أي أمر قطعي ايضا بنفس القوة من التصديق والايمان.

أما كون أن الله خلق الكون من ذاته بمعنى أن المخلوقات جزء من الخالق -كما يدعي هذا الملحد -  ويستنتج بأنه لا يمكن أن يكون صمدا (بمعنى أنه غير محتاج وغير محدود وأزلي) فهذا صحيح إذا استطاع أن يثبت لنا أن الكون والمخلوقات جزء من الخالق وأن ماهية الخالق هي مادة مثل المخلوقات. وطبعا فهذه الإجابة غير صحيحة ولا يمكنه إثباتها أو نفيها ولكنه أراد بذلك التلبيس على الدليل والتشكيك فيه -كعادة الملحدين- وليس الوصول إلى نتائج عقلية صادقة حقيقية.

أما الجواب على هذا السؤال فهو بكل بساطة تكون أننا لا نبحث في ذات الخالق الأزلي الصمد غير المحدود وغير المحتاج لأننا لا يمكننا الإحاطة به ولا يقع حسنا على ذاته، بل فقط نستطيع إثبات وجوده كخالق ونستطيع إثبات بعض صفاته من أنه غير محدود وغير عاجز وغير ناقص وغير محتاج وأنه أزلي صمد ليس له أول ولا آخر وأنه الذي خلق الوجود فهو سبب الوجود والكون والأشياء ولولا وجوده لاستحال وجود الأشياء.

وبالتالي فالبحث في ذات الله مستحيل وغير ممكن لأن ذاته غير محدودة وهي فوق طاقة العقل البشري المحدود فلا يستطيع العقل البشري إلا إدراك الأشياء المادية المحسوسة وذات الله ليست كذلك فلا يستطيع العقل البشري ولا حواسه إدراك ذات الله.

ولكن العقل البشري يدرك قطعا أن هذه القوة هي سبب وجود الكون وهي التي خلقته من عدم، ويدرك العقل بعض صفاتها ولكن كيفية خلق الكون وماهية الخالق وماهية الخلق فلا تقع تحت الحس، وبالتالي فلا يمكن البحث فيها ولا البناء عليها باستنتاجات منطقية، لأن اساس التفكير هو البحث في المحسوسات وليس البحث في المغيبات فما ليس بمحسوس لا يمكن الحكم على ذاته وعلى ماهيته. ولكن يمكن الحكم على وجود الأشياء التي لا نحس بها من الآثار الدالة على وجودها طبقا لمبدأ السببية.

ولكننا من إدراكنا بأن من صفات هذه القوة أنها يجب أن تكون قادرة على الخلق لأنها الذات الخالقة للكون، فلا يعنيني بشكل كبير كيف خلقت الأشياء وغيرها من الأسئلة، بل الذي يعنيني في هذه اللحظة شيئان:

أولا: وجود قوة خالقة قادرة مستطيعة على ايجاد الأشياء من عدم

وثانيا: وجود مخلوقات وأشياء صدرت بإرادة هذه القوة

أما الشكل والكيفية والماهية للخالق فهذا غير مطلوب للايمان، بل المطلوب هو إثبات الوجود وبعض الصفات اللازمة للخالق أما غير ذلك فلا يلزم للاستدلال، وأما كيفية خلق الأشياء والكون فإن هذه الكيفية لم يقع حسنا عليها وقت خلقها وهي من المغيبات، وهذا ما لا نعرف كنهه ولا ماهيته بحواسنا وعقولنا، ولكننا ندرك أن الأشياء موجودة قطعا لأننا جزء منها ونحس بها. قال الله تعالى: (ما اشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم)

وعليه فإن وجود المخلوقات من الكون والإنسان وباقي الأشياء أمر قطعي وكون هذه الأشياء محدودة ومحتاجة وعاجزة وناقصة أمر قطعي أيضا بشهادة الحس والعقل، وكون لها خالق هو السبب في وجودها أمر قطعي ايضا وكون هذا الخالق من صفاته أنه يجب أن يكون غير محدود ولا عاجز ولا محتاج (صمد) وأنه أزلي واجب الوجود أمر قطعي أيضا.

أما كيف خلق ومتى خلق ولماذا فهذه أمور لا يدركها العقل إلا إذا أخبرنا عنها خالقها لأنها مغيبات بالنسبة لنا، والمغيبات نؤمن بها إذا أخبرنا الله عنها بطريق الرسل وعن طريق الكتب المنزلة على الأنبياء، وهذه الأخبار الغبيبية تعطي بعض الإجابات عن هذه الأسئلة التي تشكل العقدة الكبرى عند الإنسان (من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ أو الأصل والمصير والهدف) نصدق بها لايماننا بصدق المخبر عنها وهو -ربنا- قد أخبرنا  وأعطانا الإجابات عن خلقنا وعن وظيفتنا في هذه الحياة وعن وجود فناء لهذا الكون ووجود حياة أخرى ووجود يوم القيامة ومحاسبة الناس على أعمالهم وعن وجود الجنة والنار وغيرها.

إذن النتيجة واضحة والإجابة كاشفة، وهي تبين زيف الإلحاد وكيفية التشكيك في الايمان بالله وأول طريق الكفر هو الشك،

ثم يأتي الإلحاد كايمان مضاد للايمان بالله حيث يؤمن الملحد بأن صفات الله تتجسد في المادة وبالتالي فالملحد يقع في تناقض مع نفسه ومع ما يعتقد وهو لا يستطيع الخروج من هذا التناقض، فكيف يؤمن بأن الكون أزلي وأنه ليس بمخلوق وفي نفس الوقت يثبت له عقله بأن الكون محدود وعاجز ومحتاج وهو مخلوق؟ فاي تناقض هذا!!!!

حقا إن الكفر والشرك والإلحاد غير معقول!!

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والحمد لله الذي هدانا للتفكر لمعرفته وعبادته والاستعانة به.

ولك تحياتي