الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

مثال على منهجية البحث في المحسوسات والمغيبات


مثال على منهجية البحث في المحسوسات والمغيبات

 
السلام عليكم

أحد الأخوة في منتدى العقاب ذكر بأن العقل هو القلب في الصدر وليس الدماغ، وذلك كتعقيب في موضوع : "ما هو مصدر المعلومات السابقة"
فأجبته كالتالي:
هذه مسألة اختلف فيها العلماء الأولين بين قائل بأن العقل في القلب أو في الدماغ كما يقول أبو حنيفة رحمه الله تعالى.

لكن ايها الإخوة أرى هناك مشكلة في منهجية البحث من حيث ما يطرحه بعض الإخوة حول هذه القضية.

منهجيتنا الصحيحة المتمثلة بطريقة التفكير المنتجة تقوم على أساس أن المحسوسات نحكم عليها من خلال البحث العقلي فيما يقع عليه الحس المسماة الطريقة العقلية في البحث، أما المغيبات فنحكم عليها من خلال الدليل النقلي أو السمعي المبني على فهم النصوص الشرعية باستخدام العقل واللغة، والخلط بين الأمرين يوجد إشكاليات لها أول وليس لها آخر.

فعند إرادتنا البحث في واقع التفكير والعقل لا نبحث عن ذلك في النصوص الشرعية، لأن النص الشرعي لم يأت لتعليمنا علوم الدنيا ابتداء بل جاء لبيان الشرعيات، وإن كان هذا لا يمنع من إشارة القرآن للعلوم لبيان نعمة الله ومنِّه وفضله علينا، لكن القرآن في الأساس ليس كتاب علم دنيوي وكذلك السنة النبوية المطهرة.

لذلك فبحث تعريف العقل والتفكير والمجتمع والإنسان وكذلك علوم الطب والهندسة والكيمياء والفلك وغيرها، كلها مردها إلى المحسوسات وبالتالي فالمنهجية المتبعة هي البحث تكون وفق الطريقة العقلية في البحث بنقل الحس بالواقع بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع.

وعملية التفكير ليس أمرا مغيبا لنلجأ إلى الدليل النقلي لفهمها وإدراك واقعها فهذه منهجية مجانبة للصواب، والمنهجية الصحيحة أن عملية التفكير أمر محسوس ملموس، وحسب رأي حزب التحرير فهي تتكون من أربعة أمور هي: الواقع المحسوس، والحواس السليمة والدماغ الإنساني الصالح للربط والمعلومات السابقة. وعند غياب أي من هذه الشروط نجد خللا في التفكير.

أما القلب المعروف الذي يضخ الدم في الجسم فلا يظهر له أية صلة حسية بالتفكير ،وقد حدثت في العالم منذ عدة عقود عمليات جراحية لتغيير قلوب الكثيرين من المرضى وبقي تفكيرهم وعقلهم كما هو.

وعلماء الطب والتشريح يجزمون بشكل قاطع بأن التفكير مكانه الدماغ كمركز للجهاز العصبي ويتحكم الدماغ في كل انشطة الجسم من خلال الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ وجذع الدماغ وكافة اجزاء الجسم. فمن ناحية واقعية محسوسة الدماغ هو عضو التفكير وترتبط كافة الحواس بالدماغ من خلال الأعصاب وهو مكان تخزين المعلومات. لذلك فكل شروط التفكير موجودة في الدماغ.

أما بالنسبة لفهم ما ورد في النصوص الشرعية من ذكر للعقل والتفكير والقلب والنفس فلها طريقة مختلفة في البحث عن المحسوسات، فهي تفهم على أساس اللغة العربية وما قصده العرب من استخدام اللفظة. وقد كتب أحد الشباب بحثا موسعا عن معاني القلب والنفس في القرآن درس فيه جميع الآيات وحدد معانيها

وباختصار فالقلب في عرف العرب يطلق على أمرين على العقل والتفكير وكذلك على الوجدان والأحاسيس والمشاعر

يقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى في جواب سؤال بتاريخ 25/7/1970 ما يلي:
اما العقيدة فهي ما انعقد عليه القلب،  والقلب يطلق على العقل ويطلق على القلب المعروف ويراد منه في هذه الحالة الواجدان . ومعنى انعقاد القلب عليها هو احتواؤه لها وضمها اليه ضما كاملا واكيدا بارتياح . وهذا يعني ان يأخذ الوجدان هذه الفكرة ويشدها اليه ويوافقه العقل على ذلك ولو موافقة تسليم . فالاعتقاد اصله انعقاد القلب على موافقة العقل،  اي اصله التصديق الجازم من قبل القلب اي من قبل الوجدان ولكن شرط هذا التصديق الجازم موافقة العقل،  فاذا تم هذا الامران : التصديق الجازم من قبل القلب اي الوجدان،  وموافقة العقل لهذا التصديق،  فقد حصل انعقاد القلب اي حصلت العقيدة بمعنى حصل الاعتقاد
هذا هو واقع العقيدة - اي عقيدة- الا ان انعقاد القلب على افكار فرعية ليست اساسية لا يرتفع الى مستوى العقيدة،  لانه لا يتفرع عنها شيء، ولا يترتب عليها شيء،  ولذلك فانها لو اخذت في اول الامر التصديق الجازم ولكنها لا تلبث ان تخرج من دائرة الوجدان اما الى دائرة العمل واما الى الرفض لذلك فان القلب لا ينعقد الا على افكار اساسية يمكن ان يتفرع عنها ويمكن ان يترتب عليها شيء او اشياء،  ومن هنا كانت العقائد هي الافكار الاساسية،  واما الافكار الفرعية فلا تدخل ضمن العقائد

 فعند دراستنا لآيات القرآن نفهمها وفق دلالات اللغة العربية فعندما يقول الله تعالى (لهم قلوب لا يفقهون بها) وقوله (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) نفهم تفسير هاتين الآيتين من خلال اللغة العربية بأن المقصود بالقلب الذي يفقه والقلب الذي يعقل هو العقل لا الوجدان، أما قوله تعالى: (ولما يدخل الايمان في قلوبكم) ندرك أن معنى القلب هنا هو الوجدان أو الشعور الفطري المتولد من إثارة غريزة التدين.

والخلاصة أن دلالات القلب في النصوص الشرعية مختلفة وتفسر حسب السياق، لأن لفظة القلب من الألفاظ المشتركة التي تحمل عدة معاني في اللغة،  والقرآن استخدم هذه اللفظة وفق استخدام العرب لها بالمعاني اللغوية المذكورة.
والرابط كما يلي:
يوسف الساريسي
في 11/9/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لك على التعليق