الاثنين، 24 سبتمبر 2012

مفهوم الزمن وتعريفه


مفهوم الزمن وتعريفه

السلام عليكم

ربما كان هذا الموضوع (الزمن) هو من أصعب المفاهيم التي يُتطرق إليها على الرغم من مدى بديهية مفهوم الزمن والوقت لدى الإنسان العاقل. وإن تناول البديهيات بالتمحيص أحيانا قد يزيدها غموضا لأنها أساس أولي لغيرها من الأفكار ويتقبلها الذهن دون الحاجة إلى التعمق في معانيها والبراهين عليها، ولكن لا مانع من المحاولة للوصول إلى الغاية التي نرجو الله تعالى أن يوفقنا إلى الصواب فيها.

مقدمة:

أن الزمن متعلق بالتغيير الذي يحصل لحالة الأشياء وحركاتها وارتباط عمليات التغيير والحركة في الأشياء ببعضها داخل النظام السببي في الكون وكون حصول هذه العمليات التغييرية على شكل سلاسل من العمليات الجزئية المتكررة المتساوية، فإن اقتران حدوث سلاسل حركات التغيير في الأشياء تعني وجود التزامن بينها أي في نفس اللحظة الزمنية، ومتوالية أجزاء اللحظات الزمانية المتساوية والمتسلسلة تعني الوقت.
أن معنى ما أقول غير متعلق بادراك ذهن الإنسان لذلك أو عدم إدراكه وانفعاله به أو عدمه، بل هو متعلق بالنظام السببي في الكون الذي تحدث فيه عمليات التغيير وفق قوانين وسنن جعلها الله في الكون. وعمليات التغيير التي تحدث هي خارج فكر الإنسان أي تحدث في الواقع الخارجي بغض النظر عن إدراك العقل الإنساني لها أو عدم إدراكه، فهي عمليات تغيير متحركة منذ اللحظة التي خلق الله في هذا الكون بسماواته وأرضه وفق قوانين صارمة ضمن النظام السببي للكون، والله جعل الشمس والقمر تتحركان في فلك ثابت مضبوط ضمن النظام الكزني كعلامة على الوقت ليتمكن الإنسان من تعلم عدد السنين والليل والنهار ومواقيت كل شيء.
وبالتالي فإدراك الإنسان لذلك هو يتعلق بوجود الزمن ذاته كواقع خارجي محسوس لحدوث التغيير في الأشياء قال تعالى "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا" فوجود آدم وذريته على الأرض كان في جزء من الدهر وهذا يعني أن الدهر موجود قبل وجود الإنسان نفسه، فالدهر ابتدأ عند لحظة خلق فاطر السماوات للأشياء وتقديره سبحانه لحدوث التغيير فيها، وهذا كان قبل خلق الإنسان وما بث الله في الأرض من دابة.
 

وبغرض التمهيد للمسألة لا بد أن نقرر الأمور التالية:


1. يتعلق الزمن بوجود الأشياء وبدونها لا وجود له.
2. لا يرتبط فهم الزمن بالأشياء الساكنة ابتداء ولكنه يرتبط بالتغير الذي يحدث في الأشياء.

3. هناك علاقة طردية بين التغير والوقت فمقدار التغير في الأشياء يرتبط ويحتاج لمقدار معين من الوقت.

4. التغير في الأشياء يعني انتقالها من حالة إلى أخرى بتأثير غيرها.

5. لا يحدث التغير في الأشياء إلا بأسباب معينة والسبب هو الشيء الذي يملك الطاقة السببية النشطة الفاعلة المؤثرة في الغير.

6. هناك اقتران بين السبب والنتيجة (المسبَّب) وهو ما يسمى بعلاقة السببية، وارتباط حدوث النتيجة بسببها يلزمه مقدار زمني معين من تأثير الطاقة السببية على الأشياء لتغيير حالتها التي هي فيها إلى حالة جديدة نسميها النتيجة. وعند بداية عملية الفعالية السببية من قبل السبب وبعد مضي فترة من الوقت تحصل النتيجة تاليا أي متأخرة في الترتيب.

7. مقدار الطاقة السببية الفاعلة والمؤثرة على الأشياء لفترة زمنية معينة ينتج مقدارا محددا من التغيير فيها.
 
8. هناك ارتباط بين الطاقة السببية الفاعلة والوقت، فالطاقة بحاجة إلى الوقت وبدون الوقت يكون تأثير الطاقة السببية لإحداث التغيير في الأشياء يساوي صفرا وكلما زاد الوقت زاد مقدار الطاقة السببية المؤثرة، فلا بد من امتزاجهما معا.
 
9. لا ندرك -نحن البشر- الوقت بذاته بل ندركه من خلال احتياج الطاقة السببية له لإحداث التغيير المطلوب في الأشياء، وبالتالي فماهية الوقت غير مدركة لنا مباشرة بل تدرك من خلال آثاره. فالوقت قيمة مقترنة بالطاقة السببية وقيمة الطاقة ترتبط بمقدار إحداث التغيير في الأشياء.

10. الوقت ليس قيمة مطلقة في الكون بل هو نسبي وقيمته ترجع إلى النظام السببي الذي يقاس فيه.وبتغير النظام السببي تتغير قيمة الوقت.

11. إن مقدار التغير في الأشياء يختلف من شيء إلى آخر ويؤخذ مقياس وحدة التغير في أحدها ليكون مقياس الوقت، ويقاس التغير في الأشياء الأخرى بالنسبة لوحدة القياس المعتمدة هذه كالساعة واليوم والسنة.

12. الوقت هو ما يحتاجه مقدار معين من الطاقة السببية الفاعلة ليكون كافيا في إحداث مقدار معين من التغيير في شيء ما. فالوقت شرط لازم يتحكم في كمية انتقال الطاقة السببية بين السبب والمسبب للوصول إلى النتيجة أي التغيير.

والخلاصة أن الزمن هو متوالية اللحظات الوقتية اللازمة لحصول حوادث التغيير السببية المتسلسلة، وماهيته غير مدركة لنا بالحواس مباشرة بل من خلال آثاره. لأن الوقت قيمة مقترنة بالطاقة السببية فلا فعالية سببية ولا تغيير بدون وقت ولا يدرك الوقت إلا بواسطة امتزاجه مع عملية التغيير السببي. والزمن ليس الحدث بل إن حصول الحدث التغييري يكون الزمن أحد لوازمه.
وبالتالي فإننا لا نستطيع الحكم على الزمن بأنه مادة أو طاقة أو غير ذلك، لأنه ليس بالضرورة أن ما يحس أثره أن يكون مادة أو خاصية للمادة كما نحس بوجود الروح في الجسم الحي من خلال آثارها وهي وجود طاقة الحياة في الأحياء التي تدفعها إلى الحركة والنمو والتكاثر وإشباع الغرائز والحاجات العضوية، ووجود الله كذلك مدرك من آثاره في مخلوقاته ولكن ذاته غير مدركة، لذلك فإن بحث هل الزمن مادة أو خاصية للمادة، هو كبحث هل الروح مادة أم غير مادة وهذا ما لا أرى قضية للبحث أو أنه يجوز أن يبحث.

وقد كتبت موضوع الزمن بالاعتماد على الحقائق التالية:


- الوضع الأصلي في الأشياء هو حالة الاستقرار والسكون، وهذا يعني أن كل أشياء هذا الكون تميل للكسل وأقل قدر من الطاقة وتحاول مقاومة أي نشاط إلا جبرا عنها.
- التغير هو انتقال الشيء وتحوله من حالة معينة في الزمن الأول إلى حالة أخرى في الزمن الثاني. فالتغير هو حالة طارئة تحدث للأشياء.

- الأشياء تُلزم بالتحول ويتحتم عليها التغير إلى الحالة الجديدة بفعل قوة قاهرة تجبرها على هذا التغير، وعند انتهاء تأثير هذه القوة فإن الأشياء تعود إلى وضعها الأصلي (حالة الاستقرار).

- لا يحدث التغير في الأشياء إلا بأسباب معينة والسبب هو الشيء الذي يملك الطاقة السببية النشطة الفاعلة التي تجعله مؤثرا في غيره.

- الطاقة السببية هي حالة يكتسب الشيء الذي يحملها القوة الدافعة أو القدرة على التأثير والفعل والحركة والنشاط الفعّال وبذل الجهد، ويستطيع بها نقل الأشياء التي يؤثر فيها من حالة الكسل والاستقرار وتحويلها إلى حالة من النشاط والحركة والقدرة على التأثير للوصول إلى النتيجة (التغير).
- إن تصرف الأشياء الواقعة تحت تأثير الأسباب أي انفعالها يتناسب طرديا مع مقدار الطاقة المؤثرة التي ينتجها السبب، فكلما زادت الطاقة المؤثرة ازداد مقدار الانفعال، وكلما قلت هذه الطاقة قل مقدار هذا الانفعال أو التجاوب.


والله المستعان وعليه التكلان
يوسف الساريسي
موضوع قديم مقتبس من منتدى العقاب ورابطه :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لك على التعليق