الأربعاء، 9 يناير 2013

سؤال وجواب حول قيادة وتحريك الجماهير في الثورات

سؤال وجواب حول قيادة وتحريك الجماهير في الثورات

السلام عليكم أستاذي الكريم يوسف والإخوة الكرام جميعا
في الحقيقة إن هذا الموضوع في غاية الأهمية
خاصة وأنه عندما سأل أحد رواد المنتدى القديم سؤالا قبل الثورات العربية بكثير: لماذا لا تتحرك الناس؟
فكان أحد أجوبتنا في ذلك الوقت حول خواص الأشياء وأن الناس تقاد ولا تقود... وأن العمل يجب أن ينصب على وجهاء وقادة الناس... وضربنا وقتها مثال "اصبع أحنف بن قيس" وكان هذا الجواب شافيا قبل الثورات.... ولكن جاءت الثورات وتحرك الناس دون قيادة (في البداية) فكان لابد من الوقوف على هذه الثورات واضافة ما يجب إضافته في موضوع تحريك الناس.
والسؤال هو: ما الذي كان مخفيا عنا قبل عامين فجاءت الثورات العربية لتبرزه أو تضيفه إما في ما يتعلق بخواص الإنسان أو تحريك الجماهير أو غير ذلك؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجواب  على السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله
أخي العزيز  بارك الله فيك، سؤالك عميق فعلا وهو في الصميم

بالنسبة لتحرك الناس في الثورات، من الخطأ القول أن الناس تحركوا دون قيادة، فلا بد دائما من قيادة تقود الناس إلى التحرك للثورات ولغيرها. فالسنة الربانية لا تتغير، وطبائع الأشياء هي من السنن الربانية، فإذا كان فهمك لطبائع الأشياء صحيحا فعلاقة السببية محققة أي أن ارتباط السبب بالنتيجة يكون قطعيا، والطبائع هي سنن ربانية تربط السبب مع النتيجة وهي بمثابة قانون الربط بين الأسباب ومسبباتها.
والفهم الصحيح للسنة الربانية تبين لنا أن الحركة البشرية لا بد لها من أسباب وشروط، فإذا توفرت الشروط والظروف المناسبة للتحرك دون وجود الأسباب فلن تكون هناك حركة، ونفس الأمر في حالة توفر الأسباب وغياب الشروط، أما أسباب حركة الجماهير فهي وجود شرارة ووجود حركة جماعية.

والحركات الجماعية قد تكون على شكل أحزاب أو تكتلات أو جماعات لها قيادة، ويلزم بالضرورة أن يكون لهذه القيادة إرادة تغيير. فالإرادة هي التي تحرك القيادة والتي بدورها تحرك الاتباع، والحركة الجماعية المتولدة من هذه الإرادة تقود الناس في معترك الحياة إذا وجدت الظروف المناسبة (الشروط اللازمة) في المجتمع.
وبدراسة الحراك الثوري نجد أن الأزمة وصلت درجة الغليان أي أن الظروف والشروط اللازمة لحدوث الثورة كان جاهزة وهي بانتظار الشرارة فقط (أي السبب المحرك)، ولكن الشرارة لوحدها لا تكفي لأنها أحد الأسباب اللازمة للثورة ولكنها ليس سببا كافيا بل لا بد من تعاضد أسباب أخرى وهي قيادة الجماهير حسيا نحو هدف محدد.
وحتى لا نغرق في النظريات ندرس ثورة تونس ونطبق عليها ما قلناه ونفس المثال ينطبق على ثورة مصر، ففي تونس وصلت الأزمة درجة ما قبل الغليان حيث كانت الظروف والشروط متوافرة لحدوث الثورة ومنها الصراع الحضاري والحرب على المساجد وعلى الحجاب وعلى فكر الإسلام مما أثار امتعاض المسلمين في تونس ،
وكانت الشرارة هي حرق البوعزيزي نفسه في بلدة سيدي بوزيد وهذه الشرارة حركت سببا آخر لوجود الثورة ألا وهو الحركات الشعبية التونسية التي قادت الجماهير بإرادة واعية نحو هدف محدد ألا وهو إسقاط النظام، ووجود الشرارة وحدها سبب غير كافٍ لإحداث الثورة حيث حرق العشرات انفسهم في دول مختلفة كالمغرب والأردن والجزائر ومع ذلك لم تحدث الثورة فيها كما حدثت في تونس وذلك لأن الشرارة بحاجة إلى التعاون مع أسباب وشروط أخرى لإحداث التغيير والثورة وهذا ما لم يتوفر في الدول الأخرى.
والحركات الشعبية التي قادت الثورة في تونس في بدايتها لم تكن هي ذلك الشكل المعتاد من الأحزاب والجماعات التقليدية، ولكنها حركات شعبية لها أتباع ولها إرادة وأهداف، وقد وجدت هذه الحركات قبل الثورة وتشكلت ضمن الظروف المجتمعية في تونس كرد طبيعي على ظلم الحكام ومنع وقمع العمل السياسي وحتى لا تخضع هذه الحركات لرصد أجهزة المخابرات والملاحقات التي تقوم بها الدولة للأحزاب السياسية تشكلت هذه الحركات الشعبية. وكانت آلية التواصل بينها هي ما يسمى بالفيسبوك والانترنت، فكانت اجتماعاتها وتخطيطها يحصل في عالم افتراضي ولذلك سميت ثورتا تونس ومصر بثورة الفيسبوك لأن الحركات الشعبية اتخذت منها وسيلة للتواصل والتخطيط والتحريض والحركة الجماهيرية بعيدا عن أعين المخابرات والجواسيس وأجهزة القمع الحكومية.
وقد التقطت هذه الحركات الشعبية شرارة الثورة من البوعزيزي واستغلتها لتحريك الناس ضد الظلم والقهر الذي يمارسه النظام المتجبر في تونس وبما أن الظروف كانت ملائمة ومناسبة اشتعلت الثورة في الريف التونسي على حين غفلة من النظام الحاكم وما يدور في فلكه من أحزاب وجماعات سواء في الموالاة أو المعارضة ، وهذه الحركة فاجأت الجميع وأخذتهم على حين غرة في وقت لم يكونوا مستعدين فيه لمثل هذا الأمر فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.
لكن الثورة التونسية ظلت حبيسة الريف مدة من الزمن -ما يقارب عشرين يوما- ولم تنتقل شرارتها إلى مراكز الثقل السياسي في الدولة وخصوصا تونس العاصمة لإحداث التغيير، وكان لا بد من حركة لها قيادة تقود الناس في العاصمة لإشعال الثورة هناك.
وقد التقط هذه الفرصة حزب سياسي مخضرم أدرك أهمية اللحظة التاريخية ونضوج الظروف لإحداث التغيير والثورة وأدرك أن تحرك الناس في الريف ضد ظلم الحكام هو تحرك مخلص ، فقام بإرادته بتحريك اتباعه وجماهيره في تونس العاصمة وبالذات في حي التضامن مما أدخل الحراك الثوري إلى العاصمة، وبذلك انتقلت شرارة الثورة إلى القلب وإلى مركز صنع القرار، ولم تلبث إلا اياما حتى كان رئيس العصابة في هذا النظام بن علي قد ولى هاربا وفر إلى غير رجعة.

أما الحزب السياسي الذي أدخل الثورة للعاصمة فكان -على غير المتوقع- هو حزب التحرير، وقد سقط منه بعض الشهداء نتيجة لذلك وندعو الله لهم بالرحمة والمغفرة.
ونفس الأمر ينطبق على الثورة المصرية، ولكن الشرارة هذه المرة لم تكن مصرية وإنما كانت الشرارة آتية من تونس وقد التقطتها الحركات الشعبية المصرية واتفقت أن تشعل ميدان التحرير في 25 كانون ثاني /يناير من خلال وسيلة الفيسبوك وكان من بين الحركات الشعبية التي نسقت حركة 26 ابريل وغيرها. ثم تأثرت الحركات الكبرى بهذا الحركات مثل حركة الإخوان المسلمين والتفت جماهير الأمة حول هذه الثورة في كافة ميادين مصر تنشد التغيير.

والخلاصة أن تحريك الجماهير بحاجة إلى سبب محرك وهي وجود حركة جماعية تقود الناس ووجود شرارة تشعل الوضع وتوافر ظروف وشروط لازمة للثورة وأهمها شعور الناس بالظلم والقهر وفقدان الأمل في إصلاح النظام، لذلك كان شعار هذا الحراك الثوري (الشعب يريد إسقاط النظام).
ونحن الآن نستطيع فهم ما معنى "الشعب" وما معنى قولهم "يريد" وماذا يريد من أهداف بـ"اسقاط النظام"، وذلك من خلال قيامنا بتحليل فكري عميق مستند إلى فهم مبدأ السببية والسننية وطبائع الأشياء والشعوب. وهذا أمر جد هام لفهم قوانين الحياة ومراعاتها وأخذ العبر مما يحصل في تاريخنا وتاريخ غيرنا وتاريخ من سبقنا، فيجب علينا اكتشاف حقائق التاريخ وسننة والعض عليها بالنواجذ.

ندعو الله تعالى أن يفقهنا في سننه وأن يرزقنا اتباع الحق.
والحمد لله رب العالمين

الرابط على منتدى العقاب: http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=1816&pid=25964&st=40&#entry25964

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لك على التعليق