الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

مفهوم المادة والأشياء والنظام

مفهوم المادة والأشياء والنظام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد،

·        بناء مفهوم للمادة والشيء:


من الاخطاء الفاحشة التي يتم يقع فيها الناس هو النقاش في المادة. وبينما البحث الصحيح يفرض حتما النقاش في الاشياء المدركة المحسوسة وهي الكون والانسان والحياة، ينحرف النقاش ليبحث المادة. ومن هنا يجب التصدى لهاتين اللفظين (المادة والاشياء) للتفريق بينهما لان ذلك احد اهم الركائز التي بدونها يبقى البحث يدور في فرضيات وتخيلات.

 ان المادة امر غير محسوس ابدا. فالانسان لا يعرف الا الاشياء. ويمكن تعريف الشيء بانه المادة مضاف اليها خصائصها. فعند الحديث عن الكرسي او السكين او الجبل او الماء او الانسان فان الانسان يدرك ذلك بحواسه، ويحكم بعقله، ويتعامل مع اشياء وليس مواد. فما يظهر للانسان هو المادة ولكن شرط ان تكون المادة متلبسة بخصائص معينة. فالاشياء هي المادة مع خصائص وظيفية لها. فالذي يعرف الشيء هو الخاصية الوظيفية التي تعني استخدام هذا الشيء.

لقد تاه وزل وانحرف كل من بحث في المادة لانها مغيبة وتكاد تكون قضية فلسفية بحتة. حتى ان المفكرين والعلماء سواء من المتكلمين المسلمين او الفلاسفة اليونان قد اقتربوا من هذه النتائج من خلال بحثهم في الجوهر والعرض وتفريقهم بينهما، فيكاد الجوهر يطابق الى حد ما لفظ المادة.

·        الخاصية الوظيفية:

المهم في الامر، انه يلاحظ بان الانسان يقوم بتغيير الاشياء، فبامكانه ايجاد اشياء اخرى باستخدام الخصائص الوظيفية هذه التي لا تنفصل عن المادة. فمن قطعة حديد يمكن للانسان ان يشكل سكينا او فأسا او مطرقة أو دبوسا، فاختلفت الاشياء بسبب اختلاف خاصيتها الوظيفية الاستخدامية والاستعمالية. فالمطرقة والفأس والسكين اشياء متغايرة، وهي مادة مضافا اليها خصائص وظيفية معينة. اما النتيجة الاهم من وراء ذلك فهو ان الانسان من خلال وعيه وادراكه للخصائص الوظيفية يقوم بتصور الشيء وايجاده. وهذه نقطة حاسمة في النقاش.

ويمكن القول بان الخاصية الوظيفية هذه هي عبارة عن فكر او وعي مضاف الى المادة. فعندما "ينعكس" أي يؤثر الفكر او الوعي على المادة توجَد الاشياء. فالاشياء توجَد بعد وجود وعي يتم اضافته على المادة لتأدية وظيفة ما. فالخصائص الوظيفية هي خصائص طارئة على المادة، وهو دليل على وجود مشكِّل خارجي شكل المادة على نحو معين من خلال وعيه وادراكه الذي اضافه على المادة، لان الوعي يشكل ويصمم الخاصية الوظيفية. فالمادة لا يمكن ان تُوجد الا على شكل واعي. ومن الحجج التي تثبت هذا، هو الحاجة الى وعي او فكر مسبق يسبق ايجاد الاشياء الجديدة. وبقي ان نشير الى ان الخاصية الوظيفية هذه التي يتم الحديث عنها هي مضمون ما يعرف باسم الغائية او العلة الغائية بمعنى ان الاشياء موجودة على على شكل خصائص معينة لتأدية وظيفة معينة وليس في الامر عبثية.  

وتجدر الملاحظة إلى أن الخاصية ليست من المادة أو الأشياء، بل هي وعي أضيف إليها ولم تتغير طبيعة المادة ذاتها فمادة الحديد بقيت كما هي ولكن تم تشكيلها بأشكال مختلفة تعرفنا علها من خلال هذه الأشكال واستطعنا التفريق بينها كالسيف والفأس والدبوس والسكين.

·        انواع الخصائص (الصفات):

يوجد اكثر من نوع من الخصائص يمكن سردها وبيانها على النحو التالي:

1.      الخصائص الوظيفية: هي التي تم نقاشها واستعراضها سابقا وهي التي تحدد استخدام الشيء واستعمالاته حيث تظهر مقترنة مع المادة ولا تظهر المادة الا بها، وهي مع المادة تشكل الاشياء. فالاشياء هي مادة تشكلت بوظيفة معينة.

2.      الخصائص الطارئة: هي تلك الخصائص المعرفة للشيء وتميزه عن ابناء جنسه، وهي اقرب الى الصفات، وهي الخصائص التي تطرأ على الشيء ولا دخل لها في وظيفة المادة. فمثلا اللون الاحمر او الازرق او الابيض بالنسبة لانواع الورود، والطول والقصر ولون البشرة بالنسبة لبني الانسان. فالمقصود بان الخصائص الطارئة هي "مادة" (لون مثلا) تضاف الى "المادة" وهي تبين التشابه والاختلاف بين ابناء الجنس الواحد.

ومن "النكات" والفوائد في الموضوع ان هذا النوع من الخواص اصبح يدرس في علم الجينات لمعرفة اسباب الفروقات الفردية بين الأجناس كالألوان. كما يجدر التنويه الى ان هذا النوع من الخواص ايضا يتحكم فيه وعي الانسان، ويتم استحداثه في الاشياء بعد وجود الوعي والادراك المسبق. فمثلا يتم المزاوجة بين طعم التفاح والبندورة لاستيلاد فاكهة جديدة وذلك باستخدام هذه الخواص.

3.      الخواص الثابتة: هي الخصائص المعرِّفة للاشياء والتي تسمى (features) ولا يشترك فيها أكثر من شيء، فالخاصية الثابتة هي التي تحدد طبائع الاشياء ولا يمكن معرفة الشيء الا بها، لذلك فتعريف الاعيان والعناصر لا يتم الا بالخواص الثابتة، فهي صفات لا تتغير. ففي كل ظرف طبيعي توجد صفة دائمة للاشياء كالسيولة والكثافة واللزوجة، فالماء فوق درجة 100 مئوية يكون بخارا غازيا، وتحت درجة الصفر يكون جليدا صلبا وما بينهما يكون سائلا مائعا. وخاصية اللزوجة في السوائل تختلف بين كل سائل وآخر ولكنها ثابتة لكل نوع فالمادة له خاصية لزوجة تميزه عن الزيت وللزيت خاصية لزوجة تميزه عن الكحول فيمكن تحديد نوع المادة من الصفات الثابتة المميزة لها.

وهنا يجب التنبه لان الكثير من الخصائص الثابتة المعرفة للاشياء لا تظهر الا في حالة الحركة والانفعال مثل غليان الماء بفعل الحرارة على درجة معينة من الحرارة.

4.      الخصائص الدائمة: هي الصورة الغالبة للاشياء التي لا تظهر الا بها في الحالة الطبيعية، فمثلا السيولة للاشياء المائعة، والصلابة في المعادن.

5.      الصفات اللازمة: لا يتصور الشيء الا عليها، ولا يمكن تصور الشيء الا بها مثل وجود بعدين للسطح، وثلاثة ابعاد للجسم. فلازم السطح بعدين، ولازم الجسم ثلاثة ابعاد. واللزوم هو على ضربين لازم في ذاته او لازم بالتبع أي بالأثر. اما اللزوم الذهني لتصور الشيء، فمن امثلته لزوم الارتفاع للسرير، ولزوم الإحتراق للحرارة والنار. اما النتيجة الهامة التي يجب التنويه لها فهي: ان اللزوم هو مظهر العلية، واللزوم هو مضمون العلة والسبب.

6.      الصفات الواجبة: هي صفات تلزم خارج الشيء، أي ما يلزم بالدليل خارج الشيء وليس من ذات الشيء. مثل وجوب وجود خالق للكون لأنه محتاج ومحدود وعاجز.


·        النظام وعلاقته بالاشياء:

يعرّف النظام بانه قيد صارم على الاشياء، فواقعه ووصفه بانه مسيطر على الاشياء وهو يشكل المواد ومتحكم فيها، ولا يتخلف ابدا، فالنظام ليس هو المادة. اما التعريف الادق للنظام فهو النسب المعينة للروابط بين الاشياء وفي الاشياء. ومن الامثلة الواضحة على ذلك المثلث، فالمثلث او سكة الحديد هي غير الخط المستقيم والقطار، ولكن بنظام معين وبترتيب خاص يصبح الخط المستقيم مثلثا من خلال نسب معينة بين الاضلاع والزوايا المتشكلة التي يقف خلفها وعي وفكر سابق لانتاج الشكل المطلوب.
 
ومن الصحيح القول بان كل شيء له نظام معين مفروض عليه، كما يمكن للانسان اخذ شيء معين بنسبة معينة ووضعه في شيء اخر اذا كانت النسب صالحة للعمل، كان تأخذ ترانزستور بقيمة معينة من جهاز تلفزيون وتضعه في جهاز اخر مثل الراديو فيصلح إذا كان مناسبا أي بنسبة معينة. فالنظام هو الروابط بين الاشياء التي تم جمعها بنسب معينة ومحددة. فالنظام هو الذي يشغل نفس الخاصية في أكثر من شيء. والوعي أو الفكر يستطيع ايجاد (خلق) النظام إذا "انعكس" بمعنى أثر في المادة، فنفس الخواص تقوم بتصميمها بنسب معينة وجمعها لتشكيل نظامك أنت كاختراع ثلاجة أو سيارة أوساعة.
 
فالمغناطيس فيه خاصية أنه إذا تحرك فوقه سلك يؤدي إلى وجود تفاعل فيزيائي ويولد هذا التفاعل طاقة كهربائية، واستطاع الإنسان الانتفاع من استخدام هذه الخاصيات بنسب محددة ثابتة أن يخترع ويصنع المحرك الكهربائي واستطاع بنسب معينة تحويل الطاقات من شكل إلى آخر كما يحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميكانيكية في السيارة.


مع تحياتي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لك على التعليق